للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحكمة من جعل موعد البعث والموت غيباً

وقد غيب الله علم هذا اليوم عن الناس لحكمة عظيمة، وهذه الحكمة هي أن يكون الإنسان متأهباً باستمرار؛ حتى إذا فاجأه شيء من أحداث القيامة يكون مستعداً، كما غيب الله عز وجل عن الإنسان موعد الموت، فهل يدري أحد متى يموت؟ لا يدري، ولهذا يقول الله: {وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ} [لقمان:٣٤] لا يستطيع أحد أن يحدد ماذا يحصل له في الغد، أو متى يموت، أو في أي وقت، أو في أي زمانٍ ومكان، وقد غيب الله علم الموت عن الإنسان ليكون متأهباً باستمرار، إذا أتى الموت وإذا به حاضر.

لكن لو علم موعد الموت لأمكن للإنسان أن يتفلت وأن يكفر وأن يشرد عن الله، وقبل الموت بأسبوع أو أسبوعين يتوب، وبالتالي ما تحققت الحكمة من العبادة، وسيبقى الناس كلهم كفرة وقبل شهر أو شهرين يتوبون وهل تعمر الأرض بالطاعة إذا عُلم الموت؟ لا.

إذاً: غيب علم الموت وقيل للناس اعبدوا ربكم: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] وقال لهم: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} [الحجر:٩٩] أي: حتى يأتيك الموت.

وهذه الساعة ظل الكفار يتساءلون عن خبرها، وقال فيهم ربنا عز وجل: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:١] أي: عن أي شيء يتساءلون ويخوضون؟ عن الحقيقة الكبرى التي يتجاهلونها ويعرضون عنها، ويسفهون حلم من قال بها رغم أدلتها القاطعة، وبياناتها الساطعة، ورغم آثار الله وقدرته في الأرض، فخلق الإنسان دليل على البعث فالله يقول: {لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ} [غافر:٥٧] {مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلَّا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ} [لقمان:٢٨].

فيقول ربنا جل وعلا: {عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ} [النبأ:١] عن أي شيء يسألون ويتساءلون وهم ما بين مكذب ومصدق وظان وشاك؟: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ} [النبأ:٢] الذي يستوجب منهم التصديق لعظمته؛ ولأن أمر البعث عظيم جداً، إذ بدون البعث لا يستقيم سلوك الناس في هذه الحياة: {عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:٢ - ٤] (كلا) أداة زجر وردع وتوبيخ: {ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ} [النبأ:٥] والتكرار للتأكيد.