من المعاني: أن الصوم يظهر فيه الانقياد والاستسلام على أعظم صورها؛ إذ أنه لا يوجد تفسير منطقي عقلي لعملية الإمساك عن الطعام والشراب، لماذا نمسك من الساعة كذا إلى الساعة كذا؟ لا نعرف، فالله أمرنا، ونحن عبيده، ومقتضى العبودية أن العبد يسير في أمر سيده ومولاه، إذا كان عندك عبد فتقول له: يا عبد! اذهب وأحضر لي هذه؟ فإذا قال لك: لماذا؟ تضربه على وجهه، وتقول: اذهب، ولا تتدخل.
ترسل العبد وتقول: هذه مائة ريال اذهب وأحضر لنا مقاضي، يقول لك: لماذا المقاضي؟ تقول له: عندنا ضيوف، يقول: من هم الضيوف؟ تقول: آل فلان، يقول: لماذا تعزمهم؟ أوه طولتها، لا تتدخل أنت في هذه الأمور! فالله تبارك وتعالى سيدنا ومولانا وخالقنا وبارينا، ونحن عبيده يأمرنا ولا يحق لنا أن نسأله، ولهذا يقول الله عز وجل:{لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ}[الأنبياء:٢٣]، أمرنا أمراً (صوموا) ونحن نستسلم الآن، نؤدي عمرة في رمضان ونطوف في البيت فنسأله: لماذا نأخذ عمرة؟! ولماذا نطوف بالبيت؟! لا ندري، الله أمرنا، وقال:{وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ}[الحج:٢٩]، نسعى بين الصفا والمروة، لماذا نسعى؟ لماذا نهرول في منطقة معينة؟ الله أمرنا، فلا نقول: لماذا صلاة العشاء أربع ركعات، وصلاة المغرب ثلاث ركعات، وصلاة الفجر ركعتان؟ لماذا لا يكون الفجر والمغرب أربع ركعات، والعشاء لا يكون ركعتين بسبب أننا متعبين؟ لا {لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ}[الأنبياء:٢٣] ليس عملنا هذا، الأمر أمر الله والشرع شرع الله، ونحن عبيد الله، ولا يسع المسلم إلا أن يقول: آمنت بالله، رضيت بالله، مهما أمر الله نحن ننفذ أمر الله تعالى.
فالاستسلام والخضوع والانقياد لله عز وجل يظهر بصورة واضحة فيما يتعلق بتنفيذ الإنسان للصيام.