[تعويد النفس على فعل الخير وإبعادها عن المؤثرات التي تصرفها عنه]
أيها الإخوة: إن ترويض النفس على الخير وفطامها عن الضلال، يحتاج إلى طول رقابة ومحاسبة، وإن إقامة دار جديدة على أنقاض دار خربة، لا يتم إلا بصعوبة بالغة وجهد جهيد، فكيف ببناء نفس؟! أترون ذلك يتم بالغفلة والإهمال والمكر؟! كلا والله، لا بد من الحساب الدقيق، والمقارنة، والإحصاء، واليقظة.
إن علاج الأمور بمغالطة النفس، وتغطية العيوب، وتلميع النفس، والتطبيل لها، وتزيين المظاهر لها، لا جدوى منه ولا خير فيه، وكُلُّ ما يحرزه الإنسان من هذا العلاج، هو رواج كاذب لن يغير من الحقيقة شيئاً.
إن الإنسان يتجاوب مع المؤثرات التي تحيط به من الخير والشر، كما يتجاوب جهاز الاستقبال في المذياع مع الموجات التي تملأ الجو، كل شخص يتأثر، هناك موجات ومؤثرات عليك، خير وشر وقلبك يتأثر بالخير كما يتأثر بالشر، إذا جلست في مجلس علم فإنه يحيي قلبك، وإذا جلست في مجلس لغو ولهو وغيبة ونميمة وطرب ولعنة -والعياذ بالله- يتأثر قلبك، مثل المذياع، فالجو مملوء كله بالموجات، وأنت تختار الإذاعة التي تريدها، تريد إذاعة القرآن، هذا حسن! تريد صوت أمريكا! من الممكن أن تلقاها، وهكذا.
إن الإنسان يتأثر، وبحسب وضع قلبك وضبطه على جهة الاستقبال، تكون طبيعة الإذاعة التي تصدر عنك يا أخي في الله.
كذلك الإنسان إذا حاسب نفسه، وضبط المعايير، فيضبط عينَيه، لا يتركهما مفتوحتين على كل شيء، بل يضبطهما: يا عين! لا تنظري إلا الحق، ويا أذُن! لا تسمعي إلا الحق، ويا لسان! لا تتكلم إلا بالحق.
أما أن يفتح عينَيه على الحق والباطل، وأذُنَيه على الحق والباطل، ولسانه في الحق والباطل، وبطنه في الخير والشر، فمعنى هذا أنه مطلق، ليس عنده مسارات ولا قيود، ولا نظام محاسبة، ثم إن هذا المطلق، لا بد له من قبضة، يقول الله تبارك وتعالى:{كَلَّا لا وَزَرَ * إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ}[القيامة:١١ - ١٢] مَن يفلته مِن قبضة الله؟! مَن يمنعه مِن أن يناديه الله؟! الله يقدر عليه ولا يمنعه مِن الله مانع، والله يمنعه فلا يقدر عليه أحد إذا منعه تبارك وتعالى.