أرجو أن تقدموا نصيحة للآباء الذين يرفضون تمكين أبنائهم من الذهاب إلى الرحلات المدرسية والمعسكرات والمخيمات الدينية؛ لأن فيها منفعة للشباب؟
الجواب
أقول يا إخواني! بالنسبة للآباء فإن الشاب لا يمكن أن يتعايش مع الإسلام وأن يفهم الدين فهماً عملياً بواقع التجربة إلا عن طريق التعايش مع إخوته في الله في المخيمات والمعسكرات الإسلامية؛ لأن هذا الكلام الذي نقوله في الندوات الآن شيء نظري، ويمكن أن يثبت ويمكن أن يذهب لكن إذا طبق في مجال العمل فإنه يثبت ويستقر، ولذا تجد الشاب إذا عاش يوماً أو يومين أو ثلاثة في مخيم إسلامي؛ فإنه يرجع بنفسيات مختلفة اختلافاً كبيراً أكثر من سماعه للمواعظ والمحاضرات في ثلاث سنوات؛ لأنه هنا يسمع عن القيام للصلاة، لكن هناك يسمع كلمة قم للصلاة، ويسمع الخشوع، ويسمع قيام الليل، ويسمع كل هذه الأشياء المهمة جداً.
وعليك أيها الأخ المسلم! إذا أردت أن يهتدي ولدك وأن يثبت على دين الله أن تسمح له في كل فرصة تسنح للذهاب مع إخوانه في رحلة أو في مخيم إسلامي، لكن بشرط أن تعرف من المسئول، ومن القائم على المخيم الإسلامي، وأن يعرف أنه رجل موثوق في دينه وفي عقيدته وفي حسن إشرافه ودرايته، أما غير ذلك فلا؛ لأني سمعت في يوم من الأيام أنه يوجد مخيم اسمه مخيم إسلامي وأنهم في الساعة التاسعة صباحاً يقومون في وقت الفطور ويشغلون الميكرفون والمسجل على أم كلثوم تغنيهم: يا صباح الخير يا اللي معانا، بعد الفطور قاموا يلعبون إلى الظهر ورجعوا يقولون: مخيم ديني وإسلامي، أي إسلامي؟! بل هذا مخيم شيطاني.
وأذكر مرة من المرات قبل حوالي عشر سنوات أقامت إدارة التعليم مخيماً إسلامياً بطلائع الشباب الطيبين من الثانويات في المناطق المجاورة بـ أبها وجيزان ونجران وبيشه والباحة، فجاء من كل منطقة عشرون طالباً، فكان مجموعهم مائة طالب، والمخيم مدته أسبوعاً وكان في القرعا، وكنت أنا مسئولاً عن هذا المخيم ولما جاء الطلاب إلى البيت اجتمعوا من أجل أن نبدأ المخيم، وكان أكثرهم قد أتى معه بالكاميرا والمسجل وبعضهم أحضر الورقة في جيبه والثاني أحضر معه (الضومنة) وقالوا رحلة في السودة أو في القرعا مدة عشرة أيام، فلما جاءوا وجلسوا أول جلسة تكلمنا معهم وأعطيناهم لمحة عن المخيمات الإسلامية، وذكرنا لهم برامج المخيمات، وكان برنامجنا يبدأ عند الساعة الثالثة والنصف صباحاً، يعني: قبل الفجر بحوالي ساعة، فيبدأ بصلاة التهجد، يقول لي واحد من طلاب نجران لما صار ملتزماً واهتدى: والله ما سمعت بصلاة التهجد إلا منكم، لما قلتم صلاة التهجد يقول: قلت: ما هي التهجد؟! إلا أن معنى التهجد النوم، فما فهمت أن صلاة التهجد يعني قيام الليل.
فكانوا يقومون الساعة الثالثة والنصف إلى الساعة الرابعة والنصف صلاة تهجد، وبعد الساعة الرابعة والنصف يقرءون القرآن ويصلون الفجر وبعد صلاة الفجر نقسمهم عشر حلقات كل عشرة طلاب مع مدرس من المدرسين الذين كانوا يشرفون على المخيم، يقرءون القرآن ويتعلمون القرآن، وكان هناك طلاب في الثانويات لا يعرفون حتى قراءة الفاتحة، يعني: كما أنزلها الله عز وجل بل يقرءون ويلحنون فيها، وبعد الإشراق نصلي ركعتين ثم يذهب الطلاب في حركات رياضية وكنت أنا الذي أدرسهم الرياضة؛ لأن عندي خلفية فيها بعد ذلك نرجع ونفطر، ثم فترة راحة من الساعة الثامنة إلى الساعة العاشرة، ومن الساعة العاشرة إلى الساعة الثانية عشرة محاضرات نستضيف فيها بعض العلماء ليلقوا دروساً على الطلاب، وبعد الظهر هناك غداء وراحة إلى العصر، وبعد العصر زيارة للأماكن المحيطة بالبيئة وأيضاً بعض الحركات والألعاب الرياضية، ومن المغرب إلى العشاء حفل سمر، ومن بعد العشاء بساعة هناك عشاء ثم بعدها النوم مبكراً، فهذا هو البرنامج، فالشباب أول ما أتوا تضايقوا قليلاً منه لكن في آخر الأمر وبعد أسبوع طلبوا تمديده، فاستأذنا من المسئولين في دار التعليم ومددناه عشرة أيام؛ لأن عندنا وفر في الإمكانية والميزانيات، بعد ذلك والله كنا نودعهم في آخر يوم وهم يبكون، وأن أحد الطلاب كتب لي وهو من نجران يقول لي: أكتب لك هذه الرسالة بمداد قلمي ودمع عيني، يقول: والله رجعت إلى بيتي وأنا غريب عن أمي وأبي وأبنائي وإخواني، يقول: غريب ما عرفت هذه العيشة الزكية عيشة الدين.
فإذا وجدت يا أخي المسلم! مخيماً إسلامياً أو معسكراً أو رحلة فيها أناس طيبون يربون لك ولدك ويهدونه إلى الصراط المستقيم، خير لك يا أخي! من أن تترك ولدك لعبة أو طعمة يمكن أن يخطفه شيطان يعلمه الشر أو يعلمه المخدرات، ويعلمه الفساد ثم تندم وتعض على أصابع الندم، صحيح أنك تحرص عليه وهذا طيب من الطيبات، لكن بعض الآباء يمنع ولده حتى من الخير.
فامنع ولدك من الشر وأطلقه في الخير أما أن تمنعه من الخير والشر فإنه لن يبقى هكذا، بل سيكون فريسة للشر يوماً من الأيام حين يتحرر منك.
أما الآن فسيطيعك؛ لأنه مضطر لذلك، لكن حين يكبر فلن يطيعك، وأنت قد منعته من الخير الذي يحفظه، فسيتقبل الشر وينحرف والعياذ بالله.