[المعاصي وأثرها السيء على الفرد والمجتمع]
السؤال
أنا أحد المسلمين أؤدي فرائض الله من صلاة وصيام وحج، وأوحد الله، ولكني أرتكب بعض المعاصي مثل شرب الدخان والشيشة وحلق اللحية وسماع الأغاني وإسبال الثوب، وقد حاولت أن أتفادى هذه المعاصي أو بعضها ولكن الشيطان كلما تبت منها أوقعني مرة أخرى، فبماذا تنصحونا جزاكم الله خيراً?
الجواب
المعاصي -أيها الإخوة- حجاب بين العبد وبين الله، لها آثار مدمرة على الإنسان في الدنيا والآخرة، تذهب بركة العمر، وتذهب بركة الرزق، وتذهب بركة العلم، وتذهب بركة الأولاد والأموال، المهم أن المعاصي نار وشنار وعار في الدنيا والآخرة، والله تبارك وتعالى قد حذر منها وقال: {وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً} [الأحزاب:٣٦].
المعصية هذه هي سبب لإبعادك وإقصائك عن الله، فلا تستصغر شيئاً من المعاصي؛ لأنه لا صغيرة مع الإصرار ولا كبيرة مع الاستغفار.
لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غداً يصير كبيرا
الصغير اليوم يكبر، واليوم ذنب وغداً ذنبين وبعده ثلاثة، تأتي يوم القيامة تلقاه مثل الجبل، ما هذا? يقال لك: هذا الذنب الصغير أصبح اليوم كبيراً، وكل شيء يكبر.
إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا
وفي الحديث وهو في السنن قال صلى الله عليه وسلم: (إياكم ومحقرات الذنوب فإنها تجتمع على المرء فيهلكنه) وهذه الذنوب التي وقعت فيها -يا أخي- ليست من الصغائر بل هي من الكبائر، سماع الغناء الذي هو ضد القرآن قال ابن القيم:
حب القران وحب ألحان الغنا في قلب عبد ليس يجتمعان
لا يمكن أبداً أن تجمع قرآناً وأغاني في قلبك، ولذلك ترى الذين يحبون الأغاني لا يحبون القرآن، وإذا أحبوه لا يحفظوه، والذي يحب القرآن لا يحب الأغاني، وإذا سمع لا يريدها، لماذا؟ لأنها متضادة، مثل النار والماء، مثل الشرق والغرب، مثل السماء والأرض لا يمكن أن تجتمع، أما كما يقول بعض الناس: ساعة لقلبك وساعة لربك، لا فهذا شرك، والله تعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:١٦٢] حتى الموت لله، أما ساعة للقرآن وساعتين للأغاني، فلا.
فسماع الأغاني مصيبة.
وإسبال الثوب أيضاً من الكبائر؛ لأنه من المخيلة والأحاديث الصحيحة وردت في النهي عنه سواءً كان هذا الإسبال خيلاء وتكبرً أو كان غير ذلك، فإن كان خيلاء وتكبراً فقد ورد في الحديث الصحيح: (من جر ثوبه خيلاء لم ينظر الله إليه يوم القيامة) وإن جر ثوبه عادة لا خيلاء، فقد ورد في الحديث وهو أيضاً صحيح: (إزرة المسلم إلى نصف الساق، فإن كان مرخياً فإلى الكعب، وما تحت الكعب ففي النار) سواء خيلاء أو غيره.
فيا أخي المسلم! إسبال الثوب من المخيلة والله سبحانه وتعالى لا يرضاه، والحديث في صحيح مسلم: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا يزكيهم ولا ينظر إليهم ولهم عذاب عظيم: المنان بعطائه، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب، والمسبل إزاره).
وبعض الناس يستشهد بفعل أبي بكر، وهذا مسكين، هناك فرق بين الثرى والثريا، فـ أبو بكر لما سمع هذا الحديث قال: (يا رسول الله! إن إزاري يسترخي، وإني أتعاهده) يقول: أنا لا أتركه أنا أتعاهده، ولكن أحياناً أسهو عنه أو أغفو فينزل، قال صلى الله عليه وسلم: (إنك لست ممن يفعله خيلاء) هذا أول شيء شهادة تزكية لـ أبي بكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى، ولكن أنت من يزكيك حتى تكون مثل أبي بكر؟ وأبو بكر يقول فيه صلى الله عليه وسلم: (ما طلعت الشمس بعد النبيين على أفضل من أبي بكر، ولو وزن إيمان الأمة بإيمان أبي بكر لرجح إيمان أبي بكر) أثنى الله تعالى عليه في القرآن: {إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة:٤٠] أيُّ رجل عظيم هذا؟ وبالرغم من هذا يقول: إن إزاري يسترخي؛ لأن الرجل كان بطنه ملتصقاً بظهره، بل كان جُل الصحابة بطونهم ملتصقة بظهورهم، فهم من شدة الجوع يربطون على بطونهم بالحجارة.
فكان أبو بكر يربط إزاره، ومع الجوع يصير فراغاً فينزل ويتعاهده ويرجعه، ثم يذهب الواحد منا إلى الخياط ويقول: دع الثوب يسحب، ثم تجده يقول: أنا مثل أبي بكر، هذا يعني أنك متعمد أن تنزل ثوبك، من أجل أن تمشي في الشارع وتخفي قدميك، لماذا تخفي قدميك، لماذا? هل هي تفتن الناس؟ المرأة مأمورة بأن ترخي ثوبها حتى لا تفتن الناس بقدميها، أما أنت فرجلاك لو رآها الناس لفروا منك، من الذي افتتن بك، ارفع ثيابك، وكن رجلاً، لا تسحب ثوبك كأنك امرأة، (عيب والله عيب!!) هذا عمر وهو مطعون والدم يخرج من بطنه رأى شاباً يسحب ثوبه قال: [يا غلام! ارفع ثوبك فإنه أتقى لربك وأنقى لثوبك] يقول: أتقى لله وأنقى لثوبك، هذا الذي يسحب ثوبه ففي كل يوم زوجته تغسله، كل يوم يكنس الشارع ويذهب عند زوجته تنظف، لكن لو رفع ثوبه بقي أسبوعاً بدون غسل.
أما الدخان وما أدراك ما الدخان (أبو قط) وليس (أبو نمر) ولا (أبو أسد) ولكن اعلموا أنه من القطط وإلى القطط، أبو قط ترى الرجل يأخذ العلبة ويضعها في جيبه، فتظنها نقوداً تملأ جيبه، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
الدخان خبيث ورائحته خبيثة، ولا ينبغي للمسلم أن يتعاطاه بأي حال من الأحوال، وقد صدرت فيه الفتاوى الشرعية من العلماء أنه محرم بأدلة شرعية، سبعة أدلة: والواحد منها يكفي، وفيه تحذير رسمي من الدولة على كل علبة: التدخين يضر بصحتك فلا تقربه، ولكن من الناس من هو أجهل من الثور، يرى التحذير ويشتريه بمال ويشعله بنفسه.
فسبحان الله! منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها غير المسلمين يقررون أنه سبب رئيسي لإصابة الإنسان بسرطان الرئة الذي ما له دواء إلا الموت؛ لأن الرئة مثل الإسفنج إذا دخل فيها سرطان كأنك ولعت في إسنفجة فكيف تطفؤها؟ ومن أراد المزيد فليستمع إلى شريط في حكم الدخان اسمه: (القاتل المهذب) يقتل ولكن بأدب، هذا موجود في الأسواق وينفع إن شاء الله والذي يسمعه يستفيد منه إن شاء الله.
وأذكر لكم قصة، وأنا أكررها باستمرار لأن بعضكم ربما لم يسمعها: كنت ذات مرة في جيزان، فسئلت عن حكم الدخان في مدرسة ثانوية، فبينت حكمه بما أعرف من شرع الله، فقام أحد المدرسين واعترض وقال لي: يا شيخ! نريد آية في القرآن يقول الله تعالى فيها: الدخان حرام عليكم، كما قال: حرمت عليكم الميتة والدم، فقلت له: يا أخي أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح، قال: نعم.
قلت: أريد آية في القرآن أحلت لكم الموز والبرتقال والتفاح، هات آية، قال: لا يوجد.
قلت له: يا أخي! القرآن ليس كتاب مطعم، يعطي لك قائمة بالأطعمة هذا حلال وهذا حرام، بل هذا منهج أمة، ودستور حياة، جعل الله تعالى فيه ميزاناً في سورة الأعراف: {وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:١٥٧] فائت بكل طيب وكله، واترك كل خبيث واعلم أنه محرم عليك.
قال: أنا أقول بأن الدخان من الطيبات، أنتم تقولون: إنه من الخبائث وهو حرام، وأنا أقول بأنه من الطيبات فهو حلال، فقلت له: عندك أولاد، قال: نعم.
قلت: لو رأيت في يد أحدهم حلوى أو بسكويت أو تمرة، تغضب؟ قال: لا.
قلت: لو رأيت في يد واحد منهم سيجارة تغضب؟ قال: نعم.
قلت: لماذا؟ قال: لأنه ليس طيباً -بلسانه، والله! - قلت له: غير طيب يعني: خبيث، فضحك الناس عليه كلهم في الصالة، وهو بعد ذلك رفع يديه وقال: تائب والله، والله لا أشربه بعد اليوم، وبعد أن انتهينا سلم علي بحرارة وقال: يا أخي! أنا كان عندي شبهة ولم يقنعني أحد إلا أنت؛ فجزاك الله خيراً وأنا أتوب إلى الله منه.
فالدخان -يا إخواني- عيب والله، فالذي يشربه عليه أن يتوب إلى الله منه، فبعض الناس يقول: والله صحيح الدخان خبيث، لكن ما نصنع، والله ما استطعنا، ويريد أن يبكي، أعوذ بالله! ما هذا الضعف؟ تنتصر عليك سيجارة وتغلبك وأنت رجل، لماذا لا ترميها من يدك؟ وتقول: أعوذ بالله منك! والله ما أشربك، سبحان الله! الطفل الصغير يفطم من ثدي أمه وقد ألف ثديها وهو طعامه وغذاؤه الوحيد لمدة سنتين فإذا فطموه ووضعوا له قطران أو شيئاً آخر على الثدي، ثم أعطوه للولد بعد يومين أو ثلاثة ماذا يقول? يقول: (كخ) (خلاص) لا أريدك ويريد طعاماً جديداً، وأنت بلحيتك لا تقول لهذا الخبيث (أبو قط) و (روث مان) وتعرفون ما معنى ( man مان).
والشيشة وما أدراك ما الشيشة، وبالمناسبة، قرأت قبل ثلاثة أو أربعة أيام ويمكن قرأتم معي بحثاً في جريدة عكاظ مع التحفظ على هذه الجريدة طبعاً، لكن البحث كان قيماً، كان عن إيدز جديد اسمه الفيروس الكبدي نسبة الإصابة به في المملكة العربية السعودية (٥٦%) وهذه الدراسة جاءت عن طريق جامعة الملك عبد العزيز -كلية الطب، جاء بها علماء وأطباء متخصصون، فليس مجرد كلام، بل دراسة علمية، مبنية على إحصاءات وأرقام (٥٦%) من الناس عندهم هذا الفيروس.
وهو ينقسم إلى قسمين فيروس (
الجواب
) وفيروس ( B)، فالفيروس (
الجواب
) خطير ما بعده إلا الموت، وفيروس ( B) خطير ولكن أقل خطورة، هل تعلمون ما هي أسبابه وما أعظم أسبابه؟ إنها الشيشة، هكذا بهذا النص قال الأطباء: وقالوا أكثر من (٤٠%) من المصابين به سببه تعاطي الشيشة، فهذه الشيشة -يا إخوان- لا ينبغي للمسلم أن يحقر نفسه، بعضهم عنده شيشة في المكتب وشيشة في السيارة لا يمشي إلا وهو يقرقر، وشيشة عند رأسه، بل إنه قد أصبح شيشة متحركة، وبعضهم يحليها ويزينها ويلبسها ثوباً -أعوذ بالله من هذا الشيء-.
أما حلق اللحية فمخالفة لسنة النبي صلى الله ع