للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصيحة ودعاء لمن أقبل على الله وتاب]

السؤال

هذا المجلس المبارك يضم كثيراً من الشباب الذين تابوا إلى الله في الأيام الماضية القريبة، فهل من كلمة إيمانية ونصيحة ربانية لهؤلاء الشباب؟

الجواب

أولاً أهنئهم بالتوبة والرجعة إلى الله، فإنهم الآن بدأت فيهم الحياة؛ لأن الناس موتى حتى يتوبوا إلى الله، والإنسان غير المستقيم وغير المؤمن ميت: {أَوَمَنْ كَانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْنَاهُ} [الأنعام:١٢٢] أي: كان ميتاً بالكفر والمعاصي فأحييناه بالإيمان والدين: {وَجَعَلْنَا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النَّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُمَاتِ لَيْسَ بِخَارِجٍ مِنْهَا} [الأنعام:١٢٢].

ويقول الله: {وَمَا يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ * وَلا الظُّلُمَاتُ وَلا النُّورُ * وَلا الظِّلُّ وَلا الْحَرُورُ * وَمَا يَسْتَوِي الْأَحْيَاءُ وَلا الْأَمْوَاتُ إِنَّ اللَّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشَاءُ وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ * إِنْ أَنْتَ إِلَّا نَذِيرٌ} [فاطر:١٩ - ٢٣].

فأهنئهم بهذه الحياة وأسأل الله عز وجل كما أحياهم أن يثبتهم؛ لأن العبرة ليست بالحياة فقط، فعندما يولد لك ولد ثم يموت فإنك لا تفرح به، فلو أن شخصاً بشرك فقال لك: أبشرك بولدٍ لكنه مات، لقلت: ليتك ما بشرتني.

المهم الاستمرارية، فإن تبت فاثبت؛ لأن العبرة بالخاتمة والنهايات، فلا بد من الثبات على دين الله عز وجل حتى نلقاه، ولا ندري متى ينقل الإنسان إلى الحياة الأخرى، فالغيب المغيب عنا وهو الموت يقتضي منا أن نكون دائماً على أهبة الاستعداد بالتوبة، حتى إذا فاجأنا الموت في لحظة فإذا بنا مستعدين؛ ألسنا كلنا عرضة للموت، هل هناك شخص منا يقول: لا أنا لن أموت؟ أبداً.

في مجلس من المجالس كان هناك شباب جلوس في أبها، وكانوا يتحدثون في قضايا الإيمان والموت والآخرة، وكان هناك أحد الشباب -هو طالب في كلية الطب- يقول لهم: يا جماعة لابد أن نثبت على دين الله، لا ندري متى نموت يا إخواني! والله ما نضمن أنفسنا ولو ليلة واحدة، فأحد الشباب يقول -وقد تاب إلى الله-: تخوفنا بالموت، كلنا شباب وعمرنا ثماني عشرة، وست عشرة، وعشرون سنة، متى نموت؟ ممكن نموت بعد ذلك، لا نموت هذه الليلة، وبعدما انتهوا من الجلسة وذهبوا، وذهب هذا الولد الأخ الطيب الصالح وركب سيارته ومات في تلك الليلة، والله ما بات إلا في قبره رحمة الله تعالى عليه، وكان موته سبباً لهداية البقية الباقية.

فنقول لإخواننا: مادام الإنسان لا يعرف متى يموت فالمفروض أن يكون دائماً على أهبة الاستعداد، فأوصيهم ونفسي بالثبات على دين الله.

وهناك أشياء تثبتهم على الإيمان، وأهم شيء من مثبتات الإيمان: كثرة تلاوة القرآن الكريم؛ لأن الله تبارك وتعالى يقول في القرآن الكريم: {وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْلا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً وَاحِدَةً} [الفرقان:٣٢] قال الله: {كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ وَرَتَّلْنَاهُ تَرْتِيلاً} [الفرقان:٣٢].

هل سمعتم أن شخصاً لازم القرآن وحافظ على تلاوته بالليل والنهار وأضله الله؟ أبداً.

لا يضل الله إلا هاجر القرآن الكريم، فداوم على تلاوة القرآن أيها الشاب مع تفسيره، وقراءة سير الأنبياء والصحابة؛ لأن القصص القرآني والنبوي من العوامل المثبتة على دين الله، قال الله عز وجل: {وَكُلّاً نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْبَاءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِ فُؤَادَكَ} [هود:١٢٠].

فهذه التثبيتات تأتي عن طريق قراءة السير، والمداومة على طاعة الله، وترك معصية الله، إذا داومت على الصلوات الخمس في المسجد، وعلى الأذكار الصباحية والمسائية، ومجالس العلم، وصيام النافلة والفريضة، والحج والعمرة فإن هذا يرسي قدمك، وكلما عملت طاعة رسخت أكثر، وكلما عملت طاعة تقوَّت مثل الشجرة التي تعمدها، وكذلك إذا تركت المعاصي فإنك تثبت، والعكس صحيح فلو أنك تساهلت في الطاعات وزدت في المعاصي لتزعزعت.

فالشيطان يشد العاصي كل يوم حتى لا يبقى له جذر فيتركه يهوي في النار -والعياذ بالله- فتثبَّت بالإيمان، يقول الله عز وجل: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً} [النساء:٦٦] وافعل ما وعظك الله به، واترك ما نهاك الله عنه.

ومن أعظم ما يثبتك: الإخوة الصالحين والرفقة الطيبة؛ لأن الطريق طويلة، والعقبة كئود، والسفر بعيد، والزاد قليل، ولا بد من رفيق يعينك على طاعة الله، فتعرف عليه من مجالس الذكر ومن أماكن الإيمان، من بيوت الله عز وجل، وابتعد بعد ذلك عن قرناء السوء، فإن قرين السوء هو الذي يردك عن الله عز وجل ويثبطك ويقلل عزمك حتى يهلكك والعياذ بالله.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.