[أهمية إقامة الصلاة جماعة]
قال عز وجل: {وَأَقِمِ الصَّلاةَ} [هود:١١٤] والتعبير بـ (أقم) فيه دلالة، ما قال الله: وصل؛ لأن إقامتها غير صلاتها وأدائها، أقم: أي أدها كما شرع الله، أولاً: في بيوت الله مع جماعة المسلمين؛ لأنه لا تقبل الصلاة كما يقول شيخ الإسلام ابن تيمية، وقد قرأت هذا الكلام أخيراً في كتابه العظيم الاختيارات الفقهية، يقول: إن الجماعة في المسجد شرط في صحة الصلاة إلا من عذر.
أي شخص صحيح البدن ويصلي في البيت وليس مريضاً ولا خائفاً، يقول: أنا أصلي هنا وهي مقبولة، صلاته غير صحيحة، من سمع المنادي فلم يمنعه من اتباعه عذرٌ لم تقبل منه صلاة صلاها.
ولهذا نقول للناس الذين هم صحيحوا البدن ولا يصلون في المسجد: لا تتعبوا أنفسكم، لماذا تخدعونها؟ بالله هل سمعتم بدوام في البيوت؟ ما رأيكم في موظف يقول: أنا لا أريد أن أداوم في الإدارة، وسوف آخذ طاولتي والمعاملة ترسلوها إلي، وأنا سأجلس أداوم في البيت من أجل تكون زوجتي عندي والفراش والشاي، وإذا نمت نمت، ما رأيكم.
هل يعطونه راتباً؟ يقولون: لا.
دوام الحكومة في دوائر الحكومة، فإذا أردت أن تداوم في بيتك خذ الراتب من عند زوجتك.
وكذلك هذا الذي يصلي نقول له: صلاة الله في بيوته، والذي يريد أن يصلي في بيته يأخذ الراتب من زوجته، ليس له أجر على صلاته هذه إلا من عذر، وما العذر؟ خوف أو مرض، إذا خرجت خفت أن تقتل، أو مرض إذا دخل عليك الدب الأسود من غرفتك ما قمت تصلي.
أما وأنت معافى وآمن، فلا تصح فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يرخص للأعمى الذي كانت تحيط به ظروف قاسية جداً، جاء إلى الرسول صلى الله عليه وسلم وقال: (يا رسول الله! إني رجل أعمى، ضرير البصر) وتصور لو أنك أعمى وطلب منك الآن أن تخرج من هذه الصالة، تغمض عينيك دقيقة فقط ولا تزيد، كيف تتحول الحياة في نظرك؟ من يسوق سيارتك؟ وإذا رجعت إلى بيتك كيف ترى بيتك؟ وكيف تعرف جمال زوجتك؟ وكيف تعرف جمال غرفة نومك وجمال أولادك؟ كيف تعرف السماوات؟ كيف تعرف موديلات السيارات؟ كيف تعرف أشكال العمارات؟ كيف تعرف اتساع الشوارع؟ من الذي يعطيك تعبيراً وتفسيراً لكل هذه الدنيا وجمالها، ولهذا من صبر على فقد عينيه كان له عند الله الجنة.
فهذا الرجل ضرير البصر أعمى، يقول: إنني أعمى، بعيد الدار، يقولون: كان بينه وبين المسجد أكثر من أربعة كيلو مترات، والمدينة كثيرة الهوام، ليست الشوارع مزفلتة ولا مضاءة، لكن حفر وأشواك ووديان وهوام، وحيَّات وعقارب وسباع، ومن ثم قال: (وليس معي قائد يقودني).
يقول: ما معي واحد على مدة أربع وعشرين ساعة باستمرار، قد أجد شخصاً مرة ولا أجد الثانية، ومن يدلني على المسجد؟ وكيف أتخبط يا رسول الله! وأنا أعمى وبعيد الدار؟ وكيف أفعل؟ قال: (أتسمع النداء؟ قال: نعم.
قال: فأجب.
لا أجد لك رخصة).
إذاً: فما رأيك أنت يا من ترى ألك رخصة؟ احكم على نفسك بنفسك! ما رأيك أنت يا من أنت قريب من المسجد ألك رخصة؟ ما رأيك يا من تربطك بالمسجد شوارع مزفلتة ومضاءة؟ بل بعضهم لديه سيارة عند بابه، يشغلها إذا كان بعيداً ويمشي إلى المسجد ويصلي، يقوم من غرفة نومه لا يخرج إلى الخلاء كما كان الناس في الماضي، كانوا يخرجون من بيوتهم إلى الخارج يأخذون من القربة ماء، فتلفحهم الرياح الباردة في الظلام الدامس، ويتوضئون في الخلاء، ومن ثم تتشقق أقدامهم ووجوههم من البرد والماء البارد، اليوم لا.
تخرج من غرفة نومك إلى الحمام الخاص بغرفتك، حتى ما تخرج إلى غرفة أخرى، كل موديلات البيوت الآن غرفة نوم وحمام داخلي، ومن ثم تدخل وتفتح الصنبور فينزل عليك الماء حاراً، تريد أن تعدله تفتح الصنبور الثاني فيصبح من أحسن ما يمكن.
وقد أخبرتكم أن شخصاً من تهامة جاء مرة عندي، ففتحت له الصنبور يريد أن يتوضأ، فنزل عليه الماء وإذا به حار، قال: أوه! قلت: ماذا بك؟! قال: ماء حار نزل من الجدر علي، لم ير (طباخة) ولا (دافوراً)، قلت: ماء حار من عندنا، قال: الحمد لله.
هذه نعمة -يا إخوان- تفتح وتتوضأ بالماء الحار، وأنت واقف والمنشفة أمامك تمسح، وتدخل غرفة نومك تلبس ملابسك الداخلية، ثم تلبس ملابس الصلاة، ثم تخرج تذكر الله في شوارع مضاءة ومزفلتة: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ * رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:٣٦ - ٣٧].
هل لك عذر بعد هذا؟ ليس لك عذر والله، فأقم الصلاة في المسجد، وبكامل الطهارة في البدن والثوب والمكان، ومن ثم بكامل حضور القلب والخشوع.