أيضاً قرن الله عز وجل الصبر في القرآن الكريم بالشكر، وهو ضد الصبر، يعني: نقيض له.
الصبر يكون على الآلام، والشكر يكون على المنح والهدايا والعطايا من الله، ولكن الله جعل الصبر والشكر في آيات أربع معاً، لماذا؟ لأن الإنسان لا ينفك في كل أحواله من نعمةٍ أو محنة، أو عطية أو بلية.
فتجد في نفس اللحظة تأتيك رحمة من الله، تصور أنك تمشي في الطريق فيصطدم بسيارتك رجل ما، فهذه فتنة ومصيبة، ثم تنزل وتلقى الرجل ليس فيه شيء، هذه رحمة من الله، هذا حادث كفيل بأن يموت هذا الرجل فيه.
فالله ابتلاك بفتنة فتصبر عليها، وفي نفس الوقت أكرمك بأن نجاك منها، وذلك بنجاة هذا الإنسان ولم يصب بشيء، تنقلب سيارتك وتنزل منها، وترى السيارة، ومن يراها يقول: لم يبق فيها أحد سليم، ولكن الله سلمك، ينكسر الحديد ويتحطم ولا ينكسر فيك عظم، هل أنت أقوى من الحديد؟! إنها منحة من الله عز وجل، فالله قرن الصبر والشكر معاً فقال عز وجل:{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مُوسَى بِآياتِنَا أَنْ أَخْرِجْ قَوْمَكَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَذَكِّرْهُمْ بِأَيَّامِ اللَّهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[إبراهيم:٥] وصبار هنا صيغة مبالغة، ليس صابر فقط، بل صبار يعني: على كثرة البلايا يصبر على قضاء الله وقدره.
يقول عز وجل:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آيَاتِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[لقمان:٣١] وقال عز وجل عن قوم سبأ الذين جاءتهم المصيبة من الله تعالى، بعد أن كفروا وأعرضوا وبدلوا نعمة الله كفراً، فأرسل الله عليهم سيل العرم، وبدلهم بجنانهم -التي كانوا يأكلون منها من كل نوعٍ وفاكهةٍ- جنتين ذواتي أكلٍ خمطٍ وأثل وشيء من سدرٍ قليل، قال عز وجل:{ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ}[سبأ:١٧] ثم قال: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}[سبأ:١٩].