[الركوع والسجود باستسلام وخضوع لله]
سادساً: إذا انتهيت فاركع، وفي الركوع ارفع يديك حذو منكبيك، ثم كبر مستسلماً منقاداً له حيث أمرك بالركوع، واحن ظهرك له، وتفكر كيف أنك لا يمكن أن تعمل هذا العمل إلا لله، وهذا الركوع عبادة، والذي يصنعها لغير الله وقع في الشرك، كما يفعل بعض الناس في التحية عند بعض الأمم الكافرة أسلوب التحية عندهم الانحناء، وهذا لا يجوز، فالركوع لله وحده؛ لأن هذا الإنسان عزيز، فكل الحيوانات ظهورها إلى أسفل إلا الإنسان فظهره إلى أعلى، لا يحنيه إلا لله، فتحني ظهرك في الركوع مستسلماً لعظمة الله تبارك وتعالى.
ثم أيضاً تفكر وأنت تقول: سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، سبحان ربي العظيم، فأنا ما حنيت ظهري ولا ركعت إلا لله؛ لأنه عظيم، لا أركع لأحد في الأرض، لا أركع لملك ولا لسلطان ولا لزوجة ولا لأي قوة على وجه الأرض؛ لأن العظيم الوحيد هو الله الذي لا إله إلا هو، وأنا أعبر عن هذا وأعلن هذا وأقول: سبحان ربي العظيم ثلاثاً أو خمساًَ أو عشراً أو سبعاً ما استطعت وأقل شيء ثلاث، ثم إن أردت أن تزيد فقد ورد دعاء آخر في الصحيحين وهو أن تقول: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي).
ثم ترفع ظهرك من الركوع وتفكر وأنت ترفع ظهرك من الركوع وتستشعر أنك مقصر فتقول: سمع الله لمن حمده، ويطمئن قلبك بأن عز وجل يسمع حمدك وثناءك فلا تبخل، أن تقول: ربنا ولك الحمد، الإمام يقول: سمع الله لمن حمده، والجماعة كلهم يقولون: (ربنا لك الحمد، حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه، أهل الثناء والمجد، أحق ما قال العبد، وكلنا لك عبد، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، اللهم لا مانع لما أعطيت، ولا معطي لما منعت).
ثم تسجد: فإذا سجدت عبرت بالسجود بعد الركوع على مقتضى ومنتهى العبودية والخضوع لله سبحانه وتعالى؛ لأنك تمكن محاسن الوجه وأعز شيء محترم فيك أنفك وجبهتك كل مكان فيك ترضى أن تضرب فيه إلا في أنفك؛ لأنه عزيز ولهذا عندما قال: {سَنَسِمُهُ عَلَى الْخُرْطُومِ} [القلم:١٦] يعني: أقتله، والخرطوم: هو الأنف، فإذا سجدت لله عز وجل على هذا الأنف الذي هو أعز وأكرم منطقة فيك وجلست ومرغته على الطين احتراماً لله رب العالمين ذلاً وخضوعاً فأنت تعلم نعمة الله عليك بهذه النعمة، ثم تقول: سبحان ربي الأعلى، فجبيني هنا في الأرض والله هو الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، ثم تقول أيضاً إن شئت وهو في الصحيحين: (سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي).
ثم تجتهد في الدعاء بما استطعت من خيري الدنيا والآخرة؛ لأنه جاء في الحديث والحديث في مسلم: (أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء فيه فَقَمِنٌ أن يستجاب لكم) لأنك دعوت إلى الله وأنت ساجد وهذا موطن تقديم العريضة على الله، فإذا دعوت الله وأنت ساجد فإنه أقرب موقف يمكن أن تقرب من الله فيه، وإنه لقمن إن شاء الله وجدير أن يستجاب لك، ثم تفعل ذلك في جميع صلاتك كلها، فتواصل كل هذا الكلام في كل ركعة من صلواتك.
وبعد ذلك إذا أتيت في التشهد الأخير تتشهد وتقول: أشهد أن لا إله إلا الله بعد أن تقدم التحيات.
انظروا إلى آداب الصلاة يا إخواني! استئذان، وبعد ذلك فاتحة فيها ثلاث لله وواحدة بينك وبين الله وثلاث لك، وبعد ذلك ركوع فيه تعظيم، وبعد ذلك تسبيح في السجود، ثم جلوس بين السجدتين واستغفار عما يكون من الخطأ، وقبل أن تنتهي لا بد أن تحيي ربك وتسلم على الله فتقول: التحيات أي: بجميع أنواعها لله، التحيات لله سبحانه وتعالى وهو المستحق لها وحده، التحيات والصلوات والطيبات لله من أقوال وأفعال وخطرات وأفكار وظاهر وباطن.
ثم تسلم على الرسول، فتقول: التحيات لله والصلوات والطيبات، السلام عليك أيها النبي! بصيغة الخطاب المباشر كأنه أمامك، يقول ابن مسعود كما في الصحيحين (كان الرسول صلى الله عليه وسلم يعلمنا التحيات كما يعلمنا السورة من القرآن) وسألوه مرة فقالوا: (يا رسول الله! قد عرفنا كيف نحييك فكيف نصلي عليك؟ قال: قولوا: اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم في العالمين إنك حميدٌ مجيد) فتحيي الله ثم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم عباد الله الصالحين من جن وإنس على سطح الأرض.
ثم تقول: (أشهد -بعد التحيات تؤكد وتعلن- أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله) ثم تصلي على الرسول صلى الله عليه وسلم إذا كان في التشهد الأخير، فتقول: اللهم صلِّ على محمد، وبعض العلماء يرى أنك تصلي على الرسول حتى في التشهد الأول ولكن لا تطيل تقول: اللهم صلِّ على محمد، ولا تأت بالصلاة كاملة؛ لأنها قد تطول عليك وبالتالي تعارض الحديث الذي فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم يجلس في التشهد الأول كأنه على الرضف يعني: على الحجارة المحماة، فتصلي استجابة لأمر الله؛ لأن الله يقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦].
وصلاتك على النبي دعاء له واعتراف بفضله حيث كان سبب هدايتك، ولولا الرسول صلى الله عليه وسلم الذي بعثه الله لهذه الأمة ما اهتدينا وما عرفنا كيف نعبد الله تبارك وتعالى، فصلوات الله وسلامه عليه.
وبعد الصلوات تستعيذ بالله من أربعة أشياء عظيمة: تستعيذ بالله عز وجل من عذاب النار، ومن عذاب القبر، ومن فتنة المسيح الدجال، ومن فتنة المحيا والممات، ثم تسأل الله من خيري الدنيا والآخرة تقول: {رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [البقرة:٢٠١] وإذا بقي معك وقت فاسأل الله المغفرة لك ولوالديك، ولما تريد في الدنيا وفي الآخرة.
وبعد هذا تسلم ولا تجعل الدعاء خارج الصلاة، فإن الصلاة دعاء والدعاء داخلها وبعدها ذكر وثناء على الله تبارك وتعالى، والذي يجعل الدعاء بعد السلام هو خلاف السنة، يقول ابن القيم رحمه الله: وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة تكون في داخلها لا خارجها.
وهذا هو اللائق في حال المصلي؛ فإنه مقبل على الله عز وجل يناجيه ما دام بين يديه، فإذا سلم انقطعت تلك المناجاة وزال ذلك الموقف العظيم فكيف يترك سؤاله في حال كونه بين يديه ثم يسأله بعد أن ينصرف من بين يديه؟!! عندما تقف بين يدي مسئول تقدم العريضة، لكن إذا ودعته وانصرفت فهل تقدم العريضة وأنت في الخلاء؟ وتخيل وأنت تسلم أنك تسلم على كل مسلم من جهتك اليمنى، وأن كل من يسمعك يرد عليك؛ لأنك تقول: السلام عليكم ورحمة الله، من الذي تسلم عليه؟ لا يوجد أحد تسلم عليه، عليكم بصيغة الخطاب أي: على كل مسلم من الجن والإنس، وأنهم كلهم يردون عليك يقولون: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته، ثم تلتفت إلى الشمال وتقول: السلام عليكم ورحمة الله، وكلهم أيضاً يردون عليك مثلما رددت عليهم.
تخيل هذا ثم قل بعده: اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام، لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت، ولا ينفع ذا الجد منك الجد، لا إله إلا الله وحده لا شريك له؛ له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل والثناء الحسن، لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون.