للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (قل الله)]

{قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:١٢] اكتفى بالرد بهذه الآية فقط؛ إذ لا سبيل إلى المرية أو الشك أو المنازعة في هذا، لا يوجد أحد يستطيع أن يقول: إن أحداً مع الله شريك في السماوات والأرض، والدليل على ذلك: أن كل من يدَّعي ملك شيء يترك هذا الملك، فبيتك هذا تقول: بيتي.

طَيِّبٌ! لا تقل: بيتي، قل: بيت الورثة؛ بعد سنة أو سنتين إذا بك نازل على رأسك وقد كنت تمشي على رجليك، والآن تُنَزَّل منكوساً، إذاً هذا بيتك، أم بيت الناس؟! بيت الناس.

تقول: هذه سيارتي.

تَرَكْتَها.

تقول: هذه زوجتي.

تَرَكْتَها.

تقول: هذه إدارتي.

فصلوك منها.

تقول: هذه رتبتي.

نزعوها من على كتفك وتركوك.

تقول: هذه وزارتي.

أحالوك.

تقول: هذه مملكتي.

متَّ وأخرجوك.

إذاً: لمن الملك أصلاً؟! لله.

ولهذا يوم القيامة بعد أن يفني الله عزَّ وجلَّ الكون كله، ينادي تبارك وتعالى: {لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ} [غافر:١٦]؟! أين الجبابرة؟! أين القياصرة؟! أين الأكاسرة؟! فلا يجيبه أحد، فيجيب على نفسه تبارك وتعالى فيقول: {لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [غافر:١٦] لا شريك له فهو المالك.

ولهذا لَمْ تأت الآية بمزيد توضيح؛ إذ لا مجال للمراء والشك في هذه القضية، فهي قضية من المسلَّمات، {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:١٢] لكن العبرة والعظة فيما جاء بعدها: {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢] سبحانه ما أعظمه! المالك الذي لا ينازَع في ملكه؛ ولكن منه فضلاً ورحمة ومِنَّةً كتب على نفسه الرحمة، مَن ألزمه بأن يكتبها؟! من طلب منه أن يكتبها؟! كتبها ابتداءً منه وفضلاً منه، {كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ} [الأنعام:١٢] كتبها بمشيئته وبإرادته، لم يوجبها عليه موجِب، ولم يقترحها عليه مقترح، ولم يقتضها منه مقتضٍ، ولم يطلبها منه طالب؛ ولكنها إرادته المطلقة، وربوبيته الكريمة.