للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوبة المستهزئ بأحكام الله وسنن رسوله صلى الله عليه وسلم]

السؤال

ما عقوبة المستهزئ بأحكام الله، وبسنن الرسول صلى الله عليه وسلم، وبأهل الدين؟

الجواب

الدين له حصانة صانها الإسلام، وحذر من النيل من أهل الدين، واعتبره كفراً، يقول الله عز وجل في سورة التوبة: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ} [التوبة:٦٥] وهذه نزلت في المنافقين، كانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، فجلسوا تحت شجرة، وقام واحد منهم -كذاب منافق- يريدهم أن يضحكوا، وإلا فهو يعرف أنه كذاب، قال: ما رأيت مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطوناً وأجبن عند اللقاء! يعني بذلك النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، -عليه من الله ما يستحق- وهو يعرف أنهم أعف الناس بطوناً وأشجع الناس عند اللقاء، قد لصقت بطونهم بظهورهم من الجوع، لكنهم أسود الشرى.

يقول علي: [كنا إذا حمي الوطيس اتقينا بظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم] وفي يوم حنين يوم كشف ظهر المسلمين، ما تراجع الرسول، بل ركب بغلته وقال: (أنا النبي لا كذب أنا ابن عبد المطلب) هنا قال الله: {ثُمَّ أَنْزَلَ اللَّهُ سَكِينَتَهُ عَلَى رَسُولِهِ وَعَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْهَا} [التوبة:٢٦] وليلة من الليالي، يقول علي: [أفزعنا أمر في المدينة، قام منه الرجال وجفل منه النساء، وبكى منه الأولاد، وخاف الناس -صوت غريب- فخرجنا بسيوفنا جهة الصوت، فما هالنا إلا ورسول الله صلى الله عليه وسلم راجع من عنده قال: لم تراعوا].

فاطمأننا أنه لا يوجد شيء، قد ذهب وأتى بالخبر صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الكذاب المنافق يقول: إنهم أجبن عند اللقاء.

وقال: إنهم أرغب بطوناً -أي: يأكلون كثيراً- وكان صلى الله عليه وسلم يواصل الصيام الليلة والليلتين والثلاث والأربع، ولما أراد الصحابة أن يواصلوا، قال: (لا تواصلوا، فإني أبيت يطعمني ربي ويسقيني).

خرج أبو بكر وعمر يوماً، وكل منهم يتلوى من الجوع ليس عنده شيء، فلما رأوا النبي صلى الله عليه وسلم كشفوا عن بطونهم وإذا بكل واحد قد ربط على بطنه حجراً؛ لأن البطن -هي المعدة- إذا فرغت من الطعام صارت فيها حرارة، تطلب طعاماً، فماذا يحصل؟ لا يوجد شيء، يضطر الواحد منهم أن يضع شيئاً من أجل أن يلتصق بطنها بظهرها فتسكت، ويربطون على بطونهم الحجارة، فلما كشفوا عن بطونهم كشف صلى الله عليه وسلم عن بطنه وإذا بحجرين، فما كان شهوانياً، ولا بطونياً صلوات الله وسلامه عليه، وهذا الكذاب يقول: هؤلاء أرغب بطوناً، فواحد من المؤمنين سمعه، قال: كذبت يا عدو الله والله إنك لمنافق، والله لأخبرن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقام يخبر الرسول، وأما أولئك الذين ضحكوا فأصابهم شيء من العذاب، فوجد الوحي قد نزل، وقد سبق الرجل، قال: {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦].

فالله أثبت لهم إيماناً ثم نفى عنهم هذا الإيمان، وأثبت لهم الكفر بعد ذلك لهذا السبب، ومن يضحك من الأئمة، أو المؤذنين، أو الدعاة، أو الخطباء، أو القضاة، أو أهل العلم، أو أي شيء في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما يضحك باللحية أو بالثوب، أو بأي شيء من معالم الدين، هذا كفر مخرجٌ من دين الله.

يقول راوي الحديث: (كأني به - هذا الرجل- وهو متعلق بنسعة ناقة النبي صلى الله عليه وسلم والحجارة تنكب رجليه وهو يقول: يا رسول الله! والله ما أعنيها، إنما كنت أقطع بها حديث الركب - أريد أقطع الطريق بالكلام هذا- يا رسول الله أأدخل النار وأنت بين أظهرنا، يا رسول الله فكلما قال له شيئاً قال: {أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:٦٥ - ٦٦]).

فحذار -يا أخي المسلم- انتبه! فهناك حصانة إسلامية لأهل الإيمان، لا تسخر من عالم، ولا قاضٍ، ولا شاب متدين، ولا إمام، ولا خطيب، ولا مؤذن، ولا من أي شيء فيه دين الله؛ لأن من ضحك من شيء في دين الله فقد استهزأ بالله، ومن استهزأ بالله كفر، ويوم القيامة يؤخذ المستهزئون فيدخلون في النار، أجارنا الله وإياكم من النار، ثم تفتح أبواب النار على مصاريعها، وتناديهم الملائكة تقول لهم: اخرجوا، هذه أبواب النار مفتوحة، جاءكم عفو فاخرجوا فيأتون مسرعين تتقطع قلوبهم، فيخرجون من النار، فإذا وصل أولهم الباب قفل الأبواب عليهم، فيرجعون بخيبة وبحسرة وندامة، ما ندم بها الأولون والآخرون، فيقولون: ما بكم؟ قالوا: إن الله يستهزئ بكم كما كنتم تستهزئون بعباده.

يقول الله عز وجل: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ} [المطففين:٢٩] إذا مر المؤمن قالوا: جاءك (المطوع)، وأنت ماذا؟ عاصٍ؟ جاءك صاحب اللحية، وأنت ماذا؟ (كوع) تسبني بلحيتي الذي خلقني ربي بها، أنا أسبك (بكوعك) هذا الذي حلقته، كما قال أحد الإخوة: التقى شاب مسلم متدين ذو لحية بشخص ليس معه لحية، وهذا المسكين صابر ما أراد أن يرد عليه، احترمه لكن ذاك (ملقوف).

قال: لماذا أنت تربي لحيتك، (أنكر عليه تربية اللحية).

قال: وأنت لماذا تحلق لحيتك؟ بنفس المنطق.

قال الحليق: أنا حر.

وقال صاحب اللحية: وأنا لست عبداً، وأنا كذلك حر.

قال: الشعر يحلق بأماكن ويترك بأماكن.

قال: ماذا تعني؟ قال: الشعر يترك في الرأس ويحلق في أماكن ثانية.

قال: أنا أحب أن تكون لحيتي مثل رأسي وأنت تحب أن تكون لحيتك مثل شيء آخر تعرفه أنت، فسكت.

فلا يحوز أن تستهزئ بصاحب لحية، قال الله: {إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كَانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ * وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ * وَإِذَا انْقَلَبُوا إِلَى أَهْلِهِمُ انْقَلَبُوا فَكِهِينَ} [المطففين:٣٠ - ٣١] أي: يتفكهون، كأن الله شبه أعراض المؤمنين بالفاكهة للعصاة، يأكلون من رمان المؤمنين وأعراضهم، ويتفكهون بهم: {وَإِذَا رَأَوْهُمْ قَالُوا إِنَّ هَؤُلاءِ لَضَالُّونَ} [المطففين:٣٢].

قال الله: {وَمَا أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حَافِظِينَ} [المطففين:٣٣] ليسوا مسئولين عنهم {فَالْيَوْمَ} [المطففين:٣٤] انقلبت المسألة اليوم، ورجعت الأمور على موازينها {فَالْيَوْمَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ يَضْحَكُونَ} [المطففين:٣٤].

إذا غاروا عند أبواب النار ثم قفلت، قالت الملائكة: إن الله يضحك عليكم وأهل الجنة ينظرون، يقولون: انظروا، لكن ضحك الآخرة غير ضحك الدنيا: {هَلْ ثُوِّبَ الْكُفَّارُ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} [المطففين:٣٦] نعم.

جازاهم الله على فعلهم.

فلا -يا أخي المسلم- انتبه على نفسك، لا تضحك من شيء، فبعض الناس يقول فكاهات في بعض الآيات، تكون آيات قرآنية فيحرفونها ويقدمونها ويؤخرونها، هذا كفر، وبعضهم يأتي بفكاهات على الأحاديث، والأئمة، والمؤذنين، يقول: أريكم كيف الإمام الفلاني يصلي؟ وأريكم كيف أذان ذاك، ثم يضحكون كلهم، هذا لا يجوز في الشرع.