[أمانة بر الوالدين]
وهذه من أعظم الأمانات، فإن الله سبحانه وتعالى كلف المسلم ببر والديه، وجعل بر الوالدين من أعظم القربات، وجعل عقوقهما من أعظم الكبائر، والحديث في الصحيحين عن أبي بكر رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أدلكم على أكبر الكبائر؟ قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وكان متكئاً فجلس، ثم قال: ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، ألا وقول الزور، فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت).
فبر الوالدين قربة منجية من عذاب الله، وعقوق الوالدين كبيرة عدلت بالشرك، وقرن الله عز وجل برهما بعبادته في ثلاثة مواضع من القرآن: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُوا إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [الإسراء:٢٣] {أَنْ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ} [لقمان:١٤] {وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [النساء:٣٦].
فبر الوالدين أمانة، ثم هو مكيال إذا وفيته وفىَّ الله لك في أولادك، وإذا أنقصته أنقص الله عليك من أولادك فهو دَين، البر دَين؛ كما تريد أن يكون أبناؤك كن لأبويك، بل الأبناء يزيدون؛ إن كنت باراً فأولادك أبر، وإن كنت عاقاً جاء أبناؤك أعق، قال صلى الله عليه وسلم: (بروا آباءكم تبركم أبناؤكم) ونعرف من القصص في حياة الناس الشيء الكثير.
رجل كان يضرب أباه، ويسحبه من رأس القصر إلى بابه، ثم يرميه في الحوش، وبعد ذلك مات هذا الشيخ، وهذا الرجل ما بقى شاباً فقد كبر ودارت به عجلة الزمان، حتى أصبح شيخاً مسناً، وجاء ابنه من صلبه يكيل له بمكياله، فكان يضربه ثم يسحبه من رأس القصر إلى الباب، ثم يرميه في الحوش، ثم يسحبه إلى الباب الخارجي ويرميه في الشارع، ولما كان عند الباب الداخلي صاح الأب وقال: يا ولدي! اتركني هنا؛ والله إني ما كنت أضرب أبي إلا إلى هنا، قال: صدقت.
ولكن أنا أزيدك قليلاً.
فأنت إذا أردت أن يكون أولادك بارين بك عليك أن تكون باراً بأبيك، ومن منا -أيها الإخوة- يود أن يكون أولاده عاقين له؛ عقوق الولد من أعظم المصائب، وترى بعض الآباء الآن ليله ويل! ونهاره ليل! وتراه مكلوماً مهموماً، فيه مصيبة ولا عليه شيء إلا ولده، الذي سود الدنيا عليه، ولده! لو كان يعلم أن هذا الولد سوف يأتيه ما تزوج بأمه، فأصبح مصيبة على أبيه بالعقوق؛ لأنه يأتي لينام في الليل فلا يجده، ويبحث عنه في الفراش وليس موجوداً، يتصل إلى أقربائه فلا يلقاه، ويجلس يتقلب على الفراش لا تغمض له عين إلى أن يأتي ولده، ومتى يأتي؟ الساعة الواحدة أو الثانية! يا ولد: أين كنت؟ قال: كنت مع زملائي.
من هم زملاؤك؟ قال: زملاء.
فلا إله إلا الله! هذا من أعظم العقوق، لا تخرج من بيت أبيك من بعد العشاء ما في زملاء؛ هذا الزمان لا زملاء فيه إلا في المسجد فقط، أما أن تخرج تلف وتدور وتذهب مع الشياطين والمنحرفين وتجعل أباك وأمك في عذاب وأنت في عذاب ومشكلة لماذا؟ هل هذا من البر؟! لا والله.
بل إنه من أعظم العقوق.
فيا أيها الشاب! احفظ هذه الأمانة وكن باراً بوالديك؛ لأنك إذا كنت باراً بوالديك رضي الله عنك في والديك، ووفقك وحفظك وسترك؛ لأن والدك إذا جاء الصباح، قال: الله يوفقك ويحفظك ويرشدك وييسر أمرك ما أحسن هذا! لكن إذا كنت أنت عاقاً، قال أبوك: الله يجعلها في وجهك، الله لا يوفقك، اذهب.
الله لا يردك.
أحد الناس أراد أن ينام فجاءه ولده نصف الليل، قال: أريد أن أتمشى قليلاً، قال: يا ولدي! نم لا وقت للتمشي الآن، قال: لا.
إني أحس بأرق، قال: قلت لك: لا تذهب، فغضب الولد وقال: إما أن توافق على الطلب وإلا فسأغضب! وهذا عقوق، لا.
اطلب وإذا قال أبوك: لا، انتهى الأمر.
فذهب هذا الولد إلى أمه غاضباً وقال: أريد أن أخرج وأبي لم يوافق.
قامت الأم تشفع، وجاءت إلى الأب، وقالت: الولد طيب ويريد أن يتمشى قليلاً؛ لأنه تعب من الدروس، ارتكه يتمشى، قال: اتركيه يذهب الله لا يرده، فقط.
ومن فمه إلى السماء، وركب السيارة وخرج، وفي إحدى المنعطفات تصدمه سيارة وتقطعه قطعة قطعة، ويجلس الشيخ المسكين ينتظر ساعة ساعتين ثلاث أذن الفجر وما جاء الولد، والشيخ ما عرف طعم النوم، ويعرف في قلبه أن الكلمة التي قالها صعدت إلى السماء مباشرة، يقول: خرجت أصلي الفجر ورجعت وطلع النهار وما جاء، قال: فذهبت إلى الشرطة أسأل: ولدي خرج من الليل وما رجع، قالوا: ما اسمه؟ قال: فلان بن فلان، اتصلوا بالشرطة وبالمرور، قالوا: في حوادث الليلة، ولكن المصابين في المستشفى، فليذهب وينظر، فذهب إلى المستشفى وفتحوا الثلاجة وإذا أقرب شخص وآخر شخص طرحوه هو ولده! مضرج بالدماء منتهٍ، نعم.
هذه أسباب العقوق.
فلا تعق والديك ولا تلجئ والديك إلى أن يدعوا عليك، الوالد لا يريد أن يدعو أصلاً لا أحد يريد أن يدعو على ولده، ولكن بعض الأولاد يضطر أباه أن يدعو عليه، لماذا تضطر أباك أن يدعو عليك؟ المفروض أن تقنع أباك أن يدعو لك، ومتى يدعو لك أبوك؟ عندما تكون طيباً، يقول: فلان! فتقول: حاضر لبيك، وبعد ذلك: سأذهب وهكذا، هذا هو الولد الصالح، وهذا هو الموفق الذي يوفقه الله في دراسته، وحياته، ورزقه، وزوجته إذا تزوج، وأولاده، وعافيته، وقبره، وحشره، ويدخله الله الجنة وينجيه من النار بأسباب بر الوالدين.
هذه أمانة بر الوالدين.
الأولاد هؤلاء الذين هم عندك أمانة ائتمنك الله عليهم وجعل رعايتهم في عنقك ومسئوليتك، فعليك أن تربيهم على الدين، وتمنعهم من الشر، ولا تستقدم لهم شيئاً من وسائل الشر، وتعلمهم القرآن والصلاة، وتأمرهم بالمعروف وتنهاهم عن المنكر، وتحول بينهم وبين قرناء السوء، وتأخذهم معك إلى المسجد، خصوصاً بعد السبع؛ لأن بعض الناس لا يأمر ولده بعد السبع، يقول: هذا صغير، صحيح هو صغير ولكنك مأمور بأن تجعله يصلي، لماذا؟ لأن الصلاة عملٌ شاق؛ إذا ما دربته عليها من الصغر وصار بالغاً فإنه لا يصلي وقتها، لكنه إذا صلى وهو ابن سبع وثمان وتسع وعشر وإحدى عشر واثنا عشر يبلغ خمسة عشر وهو يصلي؛ متدرب عليها، لا يجد صعوبة؛ لأنها صارت شيئاً من عمله، لكنك إذا تركته إلى أن صار عمره خمسة عشر، وبعد ذلك قلت له: صلِّ، كيف يصلي؟ لا يطيعك؛ لأنه ما تدرب عليها يقول:
إن الغصون إذا عدلتها اعتدلت ولا تلين إذا صارت من الخشب
الغصن أخضر ولين؛ تعدله على مرادك، لكنه إذا صار خشبة معوجة؛ يظل معوجاً إلى أن ينكسر، ولهذا النبي صلى الله عليه وسلم قال: (مروا أبناءكم بالصلاة لسبع) هل معنى هذا أن الصلاة واجبة عليهم؟ لا.
الصلاة لا تجب إلا بعد البلوغ، لكن الأمر بالتدريب عليها من السابعة، حتى إذا جاء في البلوغ وإذا هو جاهز، فلا بد أن تهتم بهذا؛ لأنها جزء من أمانتك التي بينك وبين الله.