[قضية الأسماء والصفات وتبسيطها للناس]
تأتي السورة لتعالج أيضاً قضية توحيد الأسماء والصفات، وهذا بأبسط الطرق وبمفهوم العوام -حتى لا ندخل في متاهات علماء الكلام- وليكن بفهم الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم والسلف الصالح؛ فإنهم فهموا توحيد الأسماء والصفات فهماً شرعياً بسيطاً منطقياً، فالله سمَّى نفسه بأسماء، ووصف نفسه بصفات، ورسول الله صلى الله عليه وسلم سمَّى الله بأسماء، ووصف الله بصفات، فما موقفنا من هذه الأسماء والصفات التي جاءت عن الله وعن رسوله إلا أن نثبتها ونقرها، ولكن من غير تكييف ولا تمثيل ولا تشبيه ولا تعطيل، بل نؤمن بأنه: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١]، فكما أنَّ لله ذاتاً لا تشبه الذوات، فكذلك له صفات لا تشبه الصفات.
ولهذا يقول ربيعة لما جاءه الرجل المبتدع قال: كيف استوى الله؟ يريد أن يسأل عن الاستواء، والاستواء قضية ضلَّت فيها أممٌ حتى عطَّلوا الله عن الاستواء الذي أثبته الله عز وجل في القرآن في سبع آيات {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] فعطلوا هذه الصفة، لماذا تعطلونها؟ قالوا: لتنزيه الله.
فذهبوا إلى التنزيه فوقعوا في التعطيل.
فجاء المبتدع يسأل ربيعة: كيف استوى؟! فقال له ربيعة الرأي -شيخ الإمام مالك -: كيف الله؟! قلب السؤال عليه، يعني: كيف ذات الله؟! قال المبتدع: لا أدري قال: وكذلك الصفة فرع عن الذات، فكما أن الله لا يُكَيَّف، فأيضاً الصفات لا تُكَيَّف.
لا تقل كيف استوى كيف النزولْ أنت لا تعرف من أنت ولا كيف تبولْ!
ولما جاء الرجل يسأل الإمام مالك عن الاستواء قال له: الاستواء معلوم -يعني: معناه الشرعي واللغوي عندنا معلوم- والكيف مجهول، والإيمان به واجب، والسؤال عنه بدعة، ثم طرده، وقال: اخرج إنك مبتدع.
فلا تسأل عن الصفة، وإنما تؤمن كما قال الله: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:١١] بمعنى: أنك لا تستطيع أن تكيِّف الصفة، (الكاف) هنا للتشبيه، ليس مِن شبيهٍ مثل الله، ليس كمثل الله شيء {وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١].
فنؤمن بجميع الأسماء والصفات، وهذه العقيدة أيها الإخوان! هي عقيدة السلف، والذين ضلوا من الأشاعرة والجهمية والمعتزلة وأهل الكلام والكَرَّامية؛ ضلوا لأنهم دخلوا بعقولهم البسيطة في هذه القضايا، فضاعوا وتاهوا، وتمنوا وهم يموتون أنهم ما تاهوا في هذه الضلالات، حتى قال واحد منهم اسمه الخونجي: ها أنا أموت وليتني أموت على عقيدة جدتي أو أمي.
وهو عالم من علماء الكلام.
والآخر يقول:
نهاية إقدام العقول عِقالُ وآكثر سعي العالمين ضلالُ
ولم نستفد من بحثنا طول عمرنا سوى أن جمعنا فيه قيل وقالوا
لكن اترك القيل والقال، واسمع مقال الملك المتعال قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، والذي يقتصر على الوحيين: الكتاب والسنة بفهم السلف؛ فهذا طريق النجاة، {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الشورى:١١]