للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير آيات الرحمة من سورة الأنعام]

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلَّم وبارك على عبده ورسوله محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

وبعد: أيها الأحبة في الله: هذا الدرس بعنوان: (تأملات قرآنية) ويأتي ضمن سلسلة الدروس التي هي بهذا العنوان، وتلقى بشكل دوري، مرة في كل شهر، ونتناول فيها بعض المفاهيم والنظرات والوقفات التي تهدي إليها وتدل عليها بعض آيات سورة الأنعام.

والآيات التي سوف نتأملها هذه الليلة هي في سعة رحمة الله عزَّ وجلَّ، وقد جاءت في بيان الله عزَّ وجلَّ أنه كتب على نفسه الرحمة، وجاءت هذه الآية في أعقاب الحديث عن التكذيب والإعراض والسخرية والاستهزاء، وما ختم الله عزَّ وجلَّ به من التهديد المخيف، ومن الوعيد الشديد لأولئك المكذبين والمعرضين، والذين يعدلون بالله عزَّ وجلَّ غيره من آلهتهم المزعومة، ثم ما جاء به من لفت الأنظار، وتوجيه القلوب إلى الاعتبار بمصارع المكذبين من الأمم الغابرة، وأن مصير من يكذب لن يختلف عن مصير أولئك المكذبين.

كما أنها تأتي -هذه الآيات- بعد الحديث الذي عرض حقيقة الألوهية في المجال الكوني والمجال الإنساني، وفي كل مجالات الحياة؛ عرضت حقيقة الألوهية في مجال خلق السماوات والأرض، فافتتح الله عزَّ وجلَّ السورة بقوله: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ} [الأنعام:١].

ثم لفت النظر من خلال خلق الإنسان من طين: {هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ طِينٍ ثُمَّ قَضَى أَجَلاً وَأَجَلٌ مُسَمّىً عِنْدَهُ ثُمَّ أَنْتُمْ تَمْتَرُونَ} [الأنعام:٢].

ثم إحاطة علم الله عزَّ وجلَّ بسر وجهر الناس، وبما يكسبونه: {يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَجَهْرَكُمْ وَيَعْلَمُ مَا تَكْسِبُونَ} [الأنعام:٣].

تأتي هذه الآيات بسؤال يوجهه الله عزَّ وجلَّ إلى الناس، ويأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يقوله لهم، فيقول ربنا عزَّ وجلَّ للرسول صلى الله عليه وسلم: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الأنعام:١٢] ثم يأمره الله بالجواب، فيقول: {قُلْ لِلَّهِ} [الأنعام:١٢] فإنه المالك، ولا يستطيع أحد أن يقول أو يتطاول أو يزعم أن له ما في السماوات وما في الأرض إلا الله، قد يزعم أو يتطاول بعض الناس فيدعي أن له شيئاًَ مما في السماوات والأرض، فقد تقول أنت: هذه أرضي ومزرعتي وعمارتي وشقتي؛ هذه جزئية لك، بقدرك بحسبك، وقد يقول -مثلاًَ- أمير منطقة: هذه منطقتي، ويقول رئيس دولة: هذه بلادي مملكتي دولتي لكن من يجرؤ على أن يقول: الأرض كلها أرضي، والسماء كلها سمائي، وما بينهما وما تحت الثرى لي، وما فوق الأرض والسماء لي؟! من يستطيع إلا الله؟! فالله تعالى يقول: {قُلْ لِمَنْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ قُلْ لِلَّهِ كَتَبَ عَلَى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ * وَلَهُ مَا سَكَنَ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام:١٢ - ١٣].