للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[حكم شرب الدخان]

السؤال

إني أحبك في الله، هل لك نصيحة فيمن يشرب الدخان؟ وهل الشيشة حكمها حكم الدخان؟

الجواب

أولاً: أحبك الله كما أحببتني فيه، وأسأل الله عز وجل أن يجمعنا جميعاً تحت ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله، ببركة الحب فيه؛ لأن الحب في الله عز وجل من أوثق عرى الإيمان، ومن ضمن السبعة الذين يظلهم الله في ظل عرشه يوم لا ظل إلا ظله: (ورجلان تحابا في الله، اجتمعا عليه وافترقا عليه).

أما الدخان فهو من المصائب التي عمت به البلوى، وهو -أيضاً- من الشرور والمصائب -والعياذ بالله- ولا ينبغي لمسلم يخاف الله عز وجل أن يلوث نفسه، أو أن يؤذي ملائكة الله، أو أن يؤذي عباد الله، فإن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم، وتأذية بني آدم -أيضاً- معصية لله عز وجل، والناس لا يريدون رائحة هذا الدخان، يقول الشيخ حافظ الحكمي:

آذيتموا ساكنين الأرض فاحتملوا فما أذاكم لأملاكِ السماواتِ؟!

هذا الدخان محرم، وقد نصت الفتاوى العلمية الصادرة من كبار العلماء في هذا البلد، وفي كل بلاد المسلمين على تحريمه من طرق شرعية كثيرة، ودليل واحدٌ يكفي منها؛ لكنها اجتمعت فيه: الدليل الأول على التحريم: أنه خبيث: وما دام خبيثاً، فإنه محرم بنص الكتاب، يقول الله عز وجل: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:١٥٧] وما أظن على وجه الأرض من يزعم أن الدخان من الطيبات أبداً، بل شركته الصانعة، وكل شركة في الدنيا عندما تصنع شيئاً تكتب دعاية له، إلا شركة الدخان، تصنعه وتكتب عليه دعاية ضده، تحذير رسمي: الدخان يضر صحتك، فننصحك بالامتناع عنه، فأعرف الناس بالصنعة صانعها، أهل الدخان الذين صنعوه يقولون: يضرك، فهل هو طيب أم خبيث؟! إن الذي يضر خبيث.

وكل طعام وشراب في الدنيا له مدة صلاحية، بداية ونهاية، إلا الدخان ما له بداية ولا نهاية، فهو فاسد ومن يوم أن صنعوه قالوا: هذا مضر، فكيف تنتظر أنت فيه فائدة وتستعمله؟! ثم إن خبثه يأتي مِن طعمه، ومِن ريحه، ومِن أثره على كل شيء، ليس فيه طريق واحد بالطِّيْب، وإذا مُنِع شربُ الدخان في إدارة رسمية، أو في مكان ما، ولم يجد الإنسان فرصة لشرب الدخان، فأين يشربه؟! في الحمام، أليس كذلك؟! لماذا؟! لأنه خبيث.

لكنه لو لم يجد فرصة للأكل، وعنده (ساندويتش) هل يقدر أن يأكل (الساندويتش) في الحمام؟! لا يستطيع أبداً أن يأكله في الحمام.

لكن لماذا يستطيع أن يدخن في الحمام؟! لأن الخبيث يناسب المكان الخبيث! هل يستطيع المدخن أن يدخن في المسجد؟! لا.

لماذا؟ لأن المسجد طيب، ولا يؤكل فيه إلا الطيب، ولا يقال فيه إلا الطيب، فلا يليق بك أن تأتي بالدخان الخبيث إلى المكان الطيب.

إذاً: ما دام أنك باعترافك أنت -أيها الإنسان- أنه خبيث فهو حرام؛ لأن الله يقول: {الْخَبِيثَاتُ لِلْخَبِيثِينَ وَالْخَبِيثُونَ لِلْخَبِيثَاتِ وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ} [النور:٢٦] فكيف تكون طيباً وأنت تحب الخبيث؟! لا يحب الخبيث إلا الخبيث، ولا يحب الطيب إلا الطيب، والله قد حرم علينا الخبائث بقوله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة:١٧٢].

ويقول: {الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:٥] بمعنى: حرمت عليكم الخبائث.

فهذا خبيث.

هل هناك شخص في الدنيا يقول: الدخان طيب؟! لا أظن، ولكني ابتُليتُ بمثله، وكنتُ مرة في منطقة جيزان، في مدرسة ثانوية، وبعد أن بينت حكم الدخان قام أحد المدرسين وقال لي: يا أستاذ، قلتُ: نعم.

قال: الدخان ليس حراماً.

قلت: لماذا؟! قال: هات آية في القرآن يقول الله فيها: حُرِّم عليكم الدخان.

قلت له: أنت تأكل الموز والبرتقال والتفاح؟! قال: نعم.

قلت: هات آية في القرآن تقول: أحل لكم البرتقال والتفاح والموز.

قال: لا يوجد.

قلت: وأنا لا يوجد، القرآن ليس كتابُ مطعمٍ، يعطيك الأطعمة كلها، القرآن منهج حياة، قال لك: {وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ} [الأعراف:١٥٧].

فالطيبات: الشحم، واللحم، والأرز، والتفاح، والبرتقال، والعسل، والسمن، كُلْ منها.

والخبائث حرام.

فقال لي -والعياذ بالله وكان رجلاً منكوساً-: الدخان من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فقد قال الله: {أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ} [المائدة:٤] أنتم عندكم أيها المتدينون! أن الدخان من الخبائث، أما نحن المدخنون فالدخان عندنا من الطيبات، وما دام أنه من الطيبات فهو حلال.

قلت له: أنت متزوج؟ قال: نعم.

قلت: عندك أولاد؟ قال: نعم.

قلت: إذا رأيت في يد ولدك حلوى أو تمراً أو (بسكويتاً) هل تغضب أم ترضى؟ قال: لا.

بل أرضى.

قلت: وإذا رأيت في يد ولدك (سيجارة) ترضى؟ قال: لا.

قلت: لماذا؟ قال: لأنه بطَّال.

قلت: والبطال ما هو؟ قال: خبيث.

قلت: والخبيث حرام! قال: حرام! وأدخل يده في جيبه، ومباشرة كَسَّر (الباكت) وداس عليه بقدمه وقال: ذهبت من رأسي، انتهت.

ولقيني بعد سنتين في أبها يقبل رأسي، ويقول: والله منذ ذلك التاريخ ما عرفتُه، وتبتُ إلى الله عز وجل منه.

فهي قضية مغالطة فقط، وإلاَّ فكل شخص يعرف أنه خبيث، من أين يأتيه الطِّيْب؟! حتى رائحته؛ أنت الآن إذا سلم عليك شخص وهو مدخن كيف تعمل؟! تقرب منه وتعانقه؟! رائحة ثوبه ورائحة (غترته) ورائحته منتنة، حتى المتزوج الذي يدخن فإن زوجته معه في عذاب، حتى إنه عندما يريد أن يقبِّلها فتهرب منه، لا تريد الاقتراب منه، لماذا؟ لأن رائحة فمه منتنة، والعياذ بالله! هذا الدليل الأول.

الدليل الثاني: أنه حرام لأنه مفتِّر ومسكِّر: فيه كمية من المادة المخدرة، وهذه الكمية قليلة بحيث لا تطغى على العقل؛ لكن: (ما أسكر كثيره فقليله حرام) لو أتيت بكأس خمر، وأخذت منه (ملعقة) وصببته على كأس ماء وشربها شخص فإنه لا يسكر؛ لأن الكمية قليلة؛ لكن ما حكم الماء المخلوط بالخمر؟ حرام.

فهذا حرام، ويُعْرف تفتيره عند الصائمين، إذا امتنع الصائم طوال اليوم ثم أفطر وشرب واحدة فإنه مباشرة يتخدر، إن أراد أن يقوم ليصلي فإنه يجلس فيقول: لا نصلي هنا.

ماذا بك؟ قال: يا شيخ! دعنا نستريح قليلاً.

تخدر.

إذاًَ: ما دام أنه يخدر ويفتر فهو محرم.

الدليل الثالث: قال العلماء: إنه ضرر على الجسد: فإن منظمة الصحة العالمية بإجماع أطبائها -وليس فيهم واحد مسلم- يقررون أن السرطان الرئوي سببه الدخان، بالإضافة إلى القرحة المعدية، وبالإضافة إلى يُبْس الشفتين، وازرقاق العينين، وفقدان الشهية للطعام، وفقدان الحركة لماذا؟ لأنه نار تشب في نحره، الإنسان يستعيذ بالله من النار في كل حين، وشارب الدخان النار بين عينيه في كل حين، يشرب النار، وينفخ النار، ويبلع النار، ويتدرب على النار، لا يريد أن يصل إلى النار تلك، إلا وقد تدرب عليها والعياذ بالله.

الدليل الرابع: أنه إسراف وتبذير: والله قد بين لنا أنَّ {الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ} [الإسراء:٢٧] فلو أن إنساناً أخرج ورقة (عشرة ريالات) ولفها كما تلف (السيجارة) ثم أشعل النار فيها، فبِمَ يصفه الناس؟! بالجنون، لا يوجد أحدٌ يحرق المال وهو عاقل أبداً.

حسناً والذي يحرق المال ويحرق صدره، كيف يصير؟! مجنوناً أم مجنونين؟! هذا هو شارب الدخان يحرق (ماله) ويحرق جوفه، والعياذ بالله! الدليل الخامس: قال العلماء: إنه لا يُذكر اسم الله عليه: لا يوجد أحد يشعل (السيجارة) ويقول: بسم الله الرحمن الرحيم، ولا يحمد الله عند خاتمتها، لا يوجد أحد يكمل (السيجارة) ويقول: الحمد لله الذي أطعمني هذا وسقانيه من غير حول مني ولا قوة، وما دام أنه لا يُسمي عليه في أوله، ولا يحمد الله عند خاتمته فليس فيه خير، فهو خبيث.

الدليل السادس: قالوا: يعلم صاحبه خصلة من خصال الحيوان الذي لا تليق بالإنسان: وهي: أن الإنسان إذا أكل طعاماً، ثم بقي منه شيء رفعه، والحيوان إذا أكل طعاماً ثم بقي منه شيء رصَعَه، وهذا شارب الدخان إذا أكمل (السيجارة) وبقي فيها قليل أين يضعها؟! يرفعها أو يضعها في الأرض تحت رجله؟! هذه هي الخصلة، وكأنه دابة والعياذ بالله! إذاًَ: فحكمه التحريم، ولا يجوز لمسلم يخاف الله أن يستمر في تعاطيه، بل عليه أن يتوب إلى الله عز وجل، والقضية أسهل مما يتصور صاحب الدخان، وهي تحتاج إلى تصميم، وإلى إرادة، وإلى استعانة بالله، وإلى صبر، وإلى معاناة؛ خلال يوم ويومين ثلاثة أيام، ثم تنتهي، وتَسْلَم صحتُك، ويَسْلَم مالُك، وترضي ربك، ولا تؤذي عباد الله، ولا تؤذي ملائكة الله، وتكون من عباد الله الصالحين إن شاء الله.