للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقول قاصرة عن فهم الحكمة من خلق الإنسان]

كل شيء في الإنسان وجد لحكمة، نعم أنت كلك وجدت لحكمة، هل تدرون ماذا يقولون في الغرب؟ يقولون: أنت كلك من غير حكمة.

تجد البروفيسور، والمخترع والدكتور والمهندس العظيم في أوروبا أو أمريكا أو روسيا رغم أنهم غاصوا في أعماق البحار والمحيطات وسبحوا في الفضاء واخترعوا اختراعات عجيبة؛ لكن تأتي إليه وتقول له: لماذا يا بروفيسور أنت موجود؟ يقول: والله لا أدري.

لماذا خلقك الله؟ لماذا أنت موجود هنا؟ لأي حكمة؟ قال: لا توجد حكمة من خلقي.

حسناً هل لحذائك حكمة؟ قال: نعم.

إذاً: أنت أقل قدراً من حذائك الذي في قدمك؛ لأن حذاءك صنع لحكمة وأنت لست موجوداً لحكمة، الذي ليس له حكمة ليس له قيمة عندما يكون لديك (ثلاجة) في البيت، ما الحكمة منها؟ تبريد، فإذا ذهب منها (الفريون) ولم تعد تبرد، هل بقي لها حكمة؟ تأخذها وترميها، يقول الناس: لماذا ترميها تقول: قد تعطلت وكذلك الإنسان إذا لم يكن من وجوده حكمة إذاً لماذا يبقى في الوجود؟ ولهذا -حقيقة- الإنسان اليوم في فساد إلا المسلم، وما ترون الآن من صراع بين الدول الشرقية والغربية من أجل تدمير الإنسان، فهذا ناتج عن أن هذا الإنسان فاسد، واليوم هناك اجتماع لمسئولين من روسيا وأمريكا لمعاهدة بنزع السلاح الذري من الصواريخ المتوسطة والقريبة المدى، أما الكبار الطويلة، فلا، هذه ما نقدر أن نبعدها؛ لأنها تقوم من روسيا فتدمر أمريكا، وتقوم من أمريكا فتدمر روسيا.

أنا سمعت الأخبار تقول: إن روسيا عندها (٢٢٠) صاروخاً الواحد يدمر نيويورك، التي فيها عشرة ملايين، وفي أوروبا أيضاً هذه الصواريخ من هذا النوع موجودة، وعندها (١١٠) صواريخ من سي سي تو، وعندها (١١٠) صواريخ من (سي سي ثري) يعني عندها (٤٤٠) صاروخاً الواحد يدمر الدنيا كلها، لماذا صنعت هذه؟ لأن الإنسان فاسد، لو أن الإنسان صالح ما كان سيصنع هذه.

ولذا لما رأوا أن هذا التدمير سيعم وسيؤدي بالتالي إلى تدمير أنفسهم راجعوا عقولهم قالوا: تعالوا نتعاهد على أن ننزعها ونتركها، قد خسروا فيها ملايين الملايين، إن الصاروخ الواحد الذي ينتجونه يستطيع أن يقوت العالم سنين، لكن العالم يموت من الجوع وترمى الأغذية في البحار ويموت الناس في أفريقيا وأمريكا، وهناك من هم مصابون (بالإيدز) والأمراض الفتاكة بدون علاج، وهم يخترعون هذه لتدمير الإنسان؛ لأن الإنسان نفسه فاسد؛ ولأنه ما تعلم من الله الذي خلقه، فلم يهتد بهداية الله الذي خلقه فهو فاسد، ولو كان الدين والإسلام هو المسيطر على البشرية، وهو الحاكم لتصرفاتها ما كنت لترى هذا الفساد، والله يقول: {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ} [الروم:٤١]، يقول: {وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٦].

أنت أيها الإنسان لك حكمة، وإذا قال إنسان بأنه ليس له حكمة، فهو يلغي وجوده، وكأنه أحقر من حذائه الذي في قدمه، لأن حذاءه له حكمة، ما هذه الحكمة؟ لا يعرف الحكمة من خلقك إلا الذي خلقك؛ لأنه هو الذي أتى بك، ويعرف من أتى بك؟ ولماذا أتى بك، فأخبرك الله بالحكمة فقال عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] هذه هي الحكمة وهي واضحة {مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٧ - ٥٨] فالحكمة من خلقك أن تعبد الله.

والعبادة التي طلبها الله عز وجل منك عبادة شاملة لا عبادة جزئية، عبادة متكاملة متوازنة تلبي مطالب الروح، وتستجيب لمطالب الجسد، وتعمر الدنيا والآخرة، ليست العبادة بمفهومها الضيق الذي عند بعض الناس: هي فقط مجرد الشعائر الدينية، إن الشعائر الدينية هي جزء من العبادة، ولكنها ليست العبادة كلها، إن العبادة بمفهومها الشرعي ما سبق أن تعلمناه في الابتدائي: هي اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة.

كل شيء عبادة، أنت في الشارع تسير وتغض بصرك؛ بهذا تعبد الله، وأنت في المتجر تبيع وتتصدق ولا تغش ولا تكذب ولا تحلف كاذباً؛ تعبد الله، وأنت تأكل وتذكر الله وتسميه وتحمده عند النهاية؛ تعبد الله، وأنت تأتي زوجتك وتسمي الله وتحمده الذي غض بصرك ورزقك الزوجة الحلال، وأنت تنام على فراشك وتستقبل القبلة وأنت متوضئ وتذكر الله بالأذكار، وأنت تأتي إلى المسجد وتصلي وتقرأ القرآن تعبد الله، وتدرس في المدرسة وتعتبر التدريس رسالة لا وظيفة -فرق بين من يعتبر التعليم وسيلة رزق وارتزاق، وبين من يعتبره رسالة حياة ومهمة ومسئولية- إن من يمارس عمل التعليم وهو يتصور أنه يرتزق لا يجعل الله في تعليمه بركة، أما الذي يمارس التعليم على أنه رسالة ومهمة إنسانية وإسلامية؛ أربي فيها أولاد المسلمين على الإيمان والدين، وأستغل مادتي، حتى ولو كانت مادة بعيدة عن المنهج الديني لكني أطوعها وأجعلها إسلامية، أنا مدرس علوم لكني أسخر المادة لخدمة العقيدة، فلما آتي لشرح النظرية أو الحقيقة العلمية أو أي شيء من مظاهر الكون أرجعه إلى الله، لكن لا أقول: إن الأرض كانت جزءاً من الشمس وأنها انفصلت عنها بسبب أنها تضايقت منها، وبعد ذلك انفصلت، ويوم أن ذهبت هناك وبقيت مليوني سنة، وبعد ذلك اتحد اثنان (هيدروجين) مع واحد (أكسجين) وصارا ماء، وبعد ذلك ذهب هذا الماء في المنخفضات فصارت بحاراً والمرتفعات بقت جبالاً، وبعد ذلك انتهت.

إذاً من فصلها وخلقها وركبها؟ هذا ما لا يبينه أكثر المدرسين إلا من رحم الله؛ فينشأ عند الطفل أو عند الطالب تصور إلحادي أن الكون خلق نفسه، لكن في الإسلام يقول: لا.

إن الله هو الذي خلق السماوات والأرض ويقرأ عليهم القرآن ويقول: {قُلْ أَإِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَاداً ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ * وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ * ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ * فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا} [فصلت:٩ - ١٢]، هذا خلق الله الذي خلق وأخبرنا.

أما الذي يقول: إنها كانت جزءاً من الشمس وأنها انفصلت، نقول: من أين كنت تراقب العملية في ذلك اليوم؟ يقول: والله ما أدري.

فعلاً هو لا يدري ولا يدري أبوه ولا أمه، إن ذلك كان قبل خلق الإنسان، والله يقول: {مَا أَشْهَدْتُهُمْ خَلْقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} [الكهف:٥١] يعني: ما حضروا يوم خلق السماوات والأرض {وَلا خَلْقَ أَنْفُسِهِمْ وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُداً} [الكهف:٥١] فمدرس العلوم والرياضيات والاجتماع وعلم النفس، أي مدرس يستطيع أن يسخر المادة لخدمة العقيدة الإسلامية، ومدرس الدين بطبيعة الحال والتربية الرياضية والفنية أيضاً يستطيع أنه يخرج من هذه المادة إلى الإسلام، فإذا مارس هذا العمل كان عمله عبادة، وهو موظف ويأخذ أجراً، لكنه ينال عليه أجراً من الله عز وجل.

فالحكمة التي من أجلها خلقك الله أيها الإنسان هي العبادة، والعبادة يجب أن نأخذها بالمفهوم الشرعي المتكامل، وأيضاً أن نكون واقعيين مع أنفسنا في المفهوم الشرعي، يعني: لو سألت واحداً منكم وقلت له: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ} [الذاريات:٥٦] كلكم تقولون: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] هكذا، أو لا؟ ليس هناك واحد يقول: إلا ليأكلوا أو ليلعبوا، أو ليدرسوا، أو ليذهبوا إلى النادي ليلعبوا كرة، أو للسمر والنزهة، هل هناك من يقول هذا الكلام؟ لا، لكن الحقيقة أنا نعمل كل هذه الأشياء {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦] لكنا لا نعبد الله، نلعب ونأكل ونسمر ونضيع حياتنا في غير ما خلقنا الله له، أجل نغالط أنفسنا نحن ما خلقنا: {إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٦٥] ونأتي وننظر: هل نعبد الله حقيقة، أم لا؟ بالمفهوم الكامل ما معنى: "نعبد الله" إننا نظل نعبد الله طوال حياتنا في المساجد، لا، وإنما أعبد الله في المسجد، وإذا انتهيت من الصلاة أذهب إلى المدرسة، وفي المدرسة أعبد الله، كيف؟ أولاً: أحرص على الوقت، ثانياً: أحرص على وقت الأستاذ، ثالثاً: أركز ذهني لكي لا أضيع يوماً من حياتي، رابعاً: أكون واقعياً صادقاً مع أستاذي، خامساً: أنوي بدروسي هذه أني عندما أتخرج أكون داعية إلى الله، وأن أنصر دين الله، وأستعين بما رزقني الله على خدمة هذا الدين، فأكون بهذه الدراسة في عبادة.

لكن لما أدرس ونيتي الدنيا فقط؛ أدرس لكي آخذ الثانوية العامة وأدخل الكلية وأنجح من الجامعة، أو آتي بنجمة من كلية الأمن أو الكلية العسكرية، وبعد ذلك أبني لي عمارة وأشتري لي سيارة، وأتزوج زوجة، وأستريح، وأتمشى، وأسمر، وآكل، وأشرب، هل هذا هدف؟ لو سألت كافراً يهودياً أو نصرانياً وقلت: تعال يا (جيمس) أو أو: ماذا تفعل في الثانوية؟ قال: أدرس الثانوية.

وبعد ذلك؟ الجامعة، وبعد ذلك؟ أتخرج من الجامعة، وبعد ذلك؟ قال: أبني لي عمارة، وأشتري لي سيارة، وأنكح زوجة، وأتوظف، حسناً! ما الفرق بين هذا وبين (جيمس)؟ كلهم سواء، النية واحدة، فقط هذا اسمه محمد وهذا اسمه (جيمس)، وهل الأسماء تغير من الحقائق شيئاً؟ ل