للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مدلول الحكم بما أنزل الله]

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن سار على دربه واقتفى أثره واتبع سنته، وسلم تسليماً كثيراً.

أما بعد: فيا عباد الله: إن حكمة الخلق والإيجاد، ونعمة الرزق والإمداد حكمةٌ بالغة فما تغني النذر، حكمةٌ أوضحها الله عز وجل في محكم التنزيل، فقال عز من قائل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ * مَا أُرِيدُ مِنْهُمْ مِنْ رِزْقٍ وَمَا أُرِيدُ أَنْ يُطْعِمُونِ * إِنَّ اللَّهَ هُوَ الرَّزَّاقُ ذُو الْقُوَّةِ الْمَتِينُ} [الذاريات:٥٦ - ٥٨] الحكمة التي من أجلها خلق الله العباد، وخلق الله الكون، وسخر سماواته وأراضيه، وشمسه وقمره، وجباله وسهوله، وأنهاره وبحاره وجميع الكائنات، الحكمة التي من أجلها أوجد هذا العالم هي: حكمة العبادة، وهذا واضح من كلام الله عز وجل: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].

واهتمام الإنسان بأي عملٍ آخر غير هذه الحكمة وضعٌ للشيء في غير موضعه، واهتمامٌ بما ليس له أهمية.

إن الأهمية الأولى والحكمة العظيمة، والسر الذي من أجله خلقك الله أيها الإنسان! أن تكون عبداً لله، خاضعاً لشريعة الله، متلقياً لجميع أمورك ونواهيك من الله، تسير على نور من الله، تحكّم منهج الله في كل تصرفاتك، في ليلك ونهارك، في سرك وجهارك، في مسجدك ومكتبك، في بيتك وسوقك، مع نفسك وزوجك، مع أولادك ووالديك، مع جيرانك وأقاربك، تُحَكِّمْ شريعة الله في كل حركةٍ من حركاتك، وفي كل سكنةٍ من سكناتك، عينك تحكمها بأمر الله، أذنك تحكمها بأمر الله، لسانك تحكمه بأمر الله، يدك تحكمها بأمر الله، رجلك تحكمها بأمر الله، فرجك تحكمه بأمر الله، بطنك تحكمها بأمر الله: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [المائدة:٤٧].

كثيرٌ من الناس يحمل هذه الآية على الحكام والمسئولين فقط، ويقول: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤] وما علم أن مدلول الآية أوسع من ذلك، أنها تشمل الحاكم والمحكوم، وتشمل الرجل والمرأة، وتشمل الوالد والولد، وتشمل المدرس والطالب، وتشمل المدير والموظف، وتشمل الضابط والجندي، تشمل كل إنسان: {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ} [المائدة:٤٤].