هذا الخلق يتم بدقة وإعجاز لا يعلمه إلا الله، وسوف أذكر لكم شيئاً من الإعجاز في خلق الإنسان: الرأس: هذا الرأس يحمي الجواهر التي تتحكم في حياة الإنسان: العينين، الأذنين، الأنف، اللسان، الفم، الأضراس، هذه كلها في الرأس، ولو فقد الإنسان يده أو رجله يمكن أن يعيش، لكن لو قطعت رأسه مات؟ ولهذا الذي يحكم عليه بالإعدام ماذا يقطعون منه؟ رأسه، لكن لو قطعوا يده أو رجله فيمكن أن يعيش، لكن لو قطعوا رأسه لا يعيش.
إن الرأس فيه أسرار من الخلق لا يعلمها إلا الله، فيها ثمانية أنهار، عينان تفرزان ماءً مالحاً، وأذنان تفرزان مادة صمغية، وأنف فيه فتحتان تفرزان مادة مخاطية لزجة، والفم يفرز مواد لعابية حلوة، ثمانية أصناف تصب من هذه الرأس، فإذن من الذي جعل العين تفرز ماءً مالحاً؟ لو كان هذا الذي في العين ليس مالحاً لفسدت العين من أول يوم؛ لأن العين شحمة، والشحم يتعفن، إذا لم تضع عليه ملحاً، فجعل الله في عينك مادة ملحية من أجل أن تبقى عينك سليمة، وتعمل على مدار اليوم.
وجعل الله في أذنيك مادة صمغية، فحين تغسل أو تحك أذنك بقطعة من القطن حاول أن تضعها في فمك أو على لسانك، فتجد لها طعماً مراً أمر من العلقم، لماذا؟ من أجل الحشرات، فحين تنام وأذنك مفتوحة لا يدخل في أذنك شيء، فحين يشم الرائحة يمتنع عن الدخول، والله سبحانه وتعالى جعل هذه المادة في أذن الإنسان من أجل أن تحميه وهو نائم.
وجعل الله عز وجل في أنفك مادة مخاطية من أجل أن تمسك الأتربة والغبار الذي تستنشقه أثناء تعاملك مع الحياة، هذا الجو الذي نحن الآن نعيش فيه جو ملطخ، مملوء بالأتربة، وبالميكروبات وبالجراثيم، ولو أننا نستنشق كل شيء كما هو لكانت رئة كل منا ممتلئة أتربة وغباراً، لكن جعل الله في هذا الأنف شعيرات، ومادة مخاطية تمسك الأتربة، ولهذا حين تشتغل بعمل مهني في تراب، ثم تأتي تتوضأ وتستنثر، تجد أن التراب يخرج مع الاستنثار، ولولا هذه الشعيرات لدخل هذا التراب في رأسك، وبعد يوم ويومين وثلاثة أيام يصير في رأسك طين فلا تقدر أن تعيش.
بعد ذلك يكيف الجو هنا، فدرجة حرارة الجو غير درجة حرارة الجسم، فحرارة الجسم في الغالب سبع وثلاثون درجة، لكن في المناطق الباردة تجدها درجتين مئويتين أو خمساً أو عشراً فتجد الإنسان إذا برد يحصل عنده ظاهرة، وهي أن أنفه تصير حمراء، إذا برد الشخص احمّرت أنفه، لماذا تحمرُّ أنفه؟ قال العلماء: لأن أنفه تحتوي على خلايا دموية تستنشق الهواء البارد وتقوم بتدفئته وتكييفه من أجل أن يدخل الجسم وهو على درجة حرارة الجسم، وهي سبعة وثلاثون درجة، فهذا المكيف يكيف الجو، لكن بعض الناس إذا خرج من جو رطب إلى جو بارد مباشرة، فيدخل الهواء البارد الذي حرارته عشر درجات إلى الجسم الذي حرارته سبع وثلاثون درجة دون أن يكون لدى الأنف فرصة للتكييف، فيدخل الهواء البارد بسرعة، فماذا يحصل للإنسان؟ زكام، نزلة برد؛ لأنه دخل هواء أقل حرارة من حرارة الجسم.
أهل المناطق الباردة إذا بردوا ترى الواحد منهم وجهه عادياً، وأنفه أحمر كالجمرة لماذا؟ لأن الدم يتدفق في الشعيرات الدموية والدماء تتدفق فيها أكثر فتحمر لكثرة حمرة الدماء في الأنف من أجل أن تقوم بتكييف الهواء الداخل حتى يتناسب مع درجة حرارة الجسم الداخلية، هذا خلق عجيب! {ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤].
الفم يفرز مادة لعابية، هذا اللعاب حين تتذوقه تحس أن طعمه مستساغ، لو خرج هذا اللعاب من عينك لفسدت، ولو خرجت المادة الصمغية من فمك لما استطعت أن تأكل، فكلما أردت أن تأكل وإذا بهذا الصديد في فمك أو المادة الصمغية المرة تأكلها مع طعامك إذن تفسد حياتك، من علم الأذن أن تفرز هذه المادة؟ ومن علم العين أن تفرز تلك المادة؟ ومن علم الغدد اللعابية أن تفرز هذه المادة؟ إنه الله {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى}[طه:٥٠].