هناك حقيقة أخرى تغيب عن أذهان الناس وهي: أن الذنوب تهلك أصحابها -وهو عنوان التأمل في هذه الليلة- الذنوب تدمِّر أصحابها، وأن الله يهلك المذنبين بسبب ذنوبهم، وأن هذه سنّة ماضية ولو لم يرها الإنسان في عمره القصير أو المحدود إلا أنها سنّة باقية لا تتبدل، تصير إليها جميع الأمم، وتنتهي إليها جميع الكائنات عندما تفشو الذنوب، وتنتشر المعاصي، وتقوم الحياة على المخالفات.
في هذه الحياة المحدودة يُحِقُ الله عز وجل على العاصين العقوبات.
والعقوبات -كما ذكرت لكم- تتنوع؛ لأن الذنوب هي سموم وهلاك القلوب، وضرر الحياة، والله يقول:{وَلا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٦] أصلح الله الأرض بالدين والرسالات، وأفسد الناس الأرض بالمعاصي والمخالفات، فهذه المعاصي سموم تنخر في قلوب البشر، فإذا خربت القلوب دمَّرت الحياة.
رأيت الذنوب تميت القلوب وقد يورث الذل إدمانها
وترك الذنوب حياة القلوب وخير لنفسك عصيانها
وضرر المعاصي على القلوب أعظم من ضرر السموم على الأبدان، والذي يستقرئ التاريخ ويرجع إلى الوراء يرى ويلمس أنه ما من شر وقع في الأرض إلا وسببه المعاصي، يقول ابن القيم رحمه الله في كتابه العظيم الذي أُوصي كل شاب بقراءته واسمه الجواب الكافي لمن سأل عن الدواء الشافي، لأن كثيراً من الناس اليوم يقول: ما هو الدواء لما في قلبي؟ الدواء تجده في هذا الكتاب، فقد تكلم رحمه الله في هذا الكتاب عن آثار الذنوب والمعاصي.
يقول رحمه الله: ما الذي أخرج آدم من الجنة؟ كان آدم أفضل من الملائكة، والملائكة تسجد له، ولكن ما الذي أخرجه من الجنة؟! إنه شؤم المعصية، أمره الله بألا يأكل من الشجرة فأكل منها، فقال له الله: اخرج.
وما الذي أخرج إبليس من الجنة وطرده، وبُدِّل بعد القرب طرداً، وبعد الرحمة لعنة، كان طاوس الملائكة، وما من بقعة في الأرض ولا في السماء إلا وقد عبد الله فيها، ولكن لما عصى الله ولم يسجد لآدم، وقال: أنا خير منه، قال له الله:{فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ * وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ}[ص:٧٧ - ٧٨].