للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم التعامل بمعاملة محرمة كالربا]

الحذر -أيها الإخوة- من البيوع المحرمة ومنها الربا؛ لأن الله أحل البيع وحرم الربا وهو رأس أو قمة البيوع المحرمة، الربا الذي فشا وانتشر ووقع فيه كثير من الناس في هذا الزمان كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته حيث قال: (يأتي على الناس زمان يأكلون فيه الربا، ومن لم يأكله أصابه من غباره) فكثير قد أكلوا الربا والبقية في الغبار، أما التعامل السليم مائة بالمائة فلا يوجد أحد إلا من شاء الله، فاجتنب الربا؛ لأن الربا كبيرة من كبائر الذنوب، بل عده النبي صلى الله عليه وسلم من السبع الموبقات -أي: المهلكات- وقرنه بالشرك بالله وقتل النفس والسحر والتولي يوم الزحف فقال: (وأكل الربا) وقد لعن النبي صلى الله عليه وسلم فيه خمسةً كما في الحديث الصحيح الذي رواه مسلم (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه) وما أذن الله بالحرب على صاحب ذنب كما أذن على صاحب الربا فقال: {فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:٢٧٩] ومن حاربه الله غلبه.

وأخبر صلى الله عليه وسلم عن أقل الربا فقال: (الربا بضع وسبعون حوباً) أي: ذنباً، صورة، شكلاً (أدناها) يعني: أقل شيء، في الدرجة السفلى (كأن ينكح الرجل أمه) وهذا في سنن ابن ماجة وحسنه الألباني.

وفي مسند أحمد يقول عليه الصلاة والسلام: (درهم يصيبه الرجل من الربا أعظم من ست وثلاثين زنية في الإسلام) هذا ذنب ليس سهلاً، والله سبحانه وتعالى أخبر أنهم يقومون يوم القيامة كالذي يتخبطه الشيطان من المس، كل إنسان يقوم بعقله إلا صاحب الربا يقوم وهو يتخبط، قد أصابه الجنون بسب الربا، وإن صاحب الربا يبعث يوم القيامة وبطنه مملوءة بجميع الأموال الربوية كثرت أو قَلَّت، حتى إن بعضهم يأتي وبطنه مثل الجبل وجسمه هو نفسه، جسمه صغير لكن بطنه مثل الجبل مليئة بالسيارات والعقارات والعمارات، وهو يسحبها يوم القيامة، فارحم نفسك من هول ذلك اليوم.

بل في صحيح البخاري من حديث سمرة قال عليه الصلاة والسلام: (ثم أتينا على رجل يسبح في نهر من دم، وعلى طرف النهر رجل عنده حجارة، فيأتي ذلك الرجل الذي يسبح فإذا قرب من الشاطئ رماه بحجر في فمه، فيرجع إلى طرف النهر ثم يأتي) وتصوروا واحداً يسبح في دم، أنت إذا وقعت نقطة دم في ثوبك تتقزز، كيف بواحد يسبح في الدم! (قلت: يا جبريل من هذا؟ قال: هذا آكل الربا) هذا عذابه إلى يوم القيامة، فاتق الله في نفسك يا أخي! ما هو الربا؟ الربا ينقسم قسمين: ربا فضل وربا نسيئة، ربا الفضل: معاوضة مال بمال بزيادة، أعطيك عشرة آلاف وتعطيني أحد عشر ألفاً، نسبة: عشرة أو اثنان أو ثلاثة في المائة هذا ربا الفضل.

ربا النسيئة: لك مال عند إنسان وحان الأجل وما سددت فتقول له: سدد ما عليك أو زد ولا أسألك، عشرة آلاف ريال يجب عليك سدادها الآن أو أشكوك للجهة المسئولة.

فيقول لك: ما عندي.

وتقول له: حسناً، فلتكن المدة سنةً أيضاً وتصير أحد عشر ألفاً هذا ربا الجاهلية، نَسِّئْ وَزِدْ، فلا تعمل بهذا العمل.

ومنه ربا العينة، وهي: أن يبيع السلعة بثمن مؤجل ويسترجعها بثمن حال.

هذه اسمها عينة، لأنها حيلة على الربا، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا تبايعتم بالعينة، وأخذتم بأذناب البقر، وتركتم الجهاد في سبيل الله، سلط الله عليكم ذلاً لا ينزعه حتى تراجعوا دينكم).

وجميع البيوع الأخرى المحرمة التي ليس هذا مجال تفصيلها ينبغي للمسلم أن يكون على فقه في دينه فيما يحل أو يحرم في معاملات التجارة، وإذا كان صاحبَ عملٍ كبير فليأخذ له رجلاً متخصصاً ليعمل عنده، مثلاً: إذا كان لا يعرف المحاسبة القانونية فليوظف شخصاً شرعياً ويقول له: اشرف على الأعمال، إذا كان هناك حرام فهو في ذمتك، أنا لا أريد حراماً، أنا أريد حلالاً في حلال.

هل تتوقع إذا عملت هذا أن الله سبحانه وتعالى سينقص مالك؟ لا والله، بل يزيده لأنك تريده (من ترك شيئاً لوجه الله عوضه الله خيراً منه).

هذه -أيها الإخوة- هي بعض الوصايا والآداب التي ينبغي لرجل الأعمال المسلم أن يتمسك بها في تجارته؛ حتى يجعل الله سبحانه وتعالى في تجارته بركة، ويعيش حياة مباركة، ويموت ويلقى الله سبحانه وتعالى وأمامه العمل الصالح الخير {يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:٤٠].

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لما يحبه ويرضاه، وأن يجزي إخواننا الذين أتاحوا لنا هذا اللقاء والقائمين على مركز الدعوة والإرشاد واللجنة والغرفة التجارية خيراً، وأن يجزيكم أنتم خيراً في مجيئكم في هذه الليالي التي تكون المحاضرات فيها غير مقبولة وثقيلة؛ لأن الإنسان يخرج من صلاة التراويح والعشاء وقد تعب وهو بحاجة إلى أن يذهب ليتناول شيئاً من الطعام، وليؤانس زوجته وأهله، ولكن أجركم على الله سبحانه وتعالى.

والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.