[واجب الداعية تجاه الناس]
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وسيد المرسلين، سيدنا وحبيبنا وإمامنا وقدوتنا محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن اقتفى أثره وسار على دربه واتبع شريعته ودعا إلى ملته وسلَّم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الأحبة: السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأسعد الله جميع أوقاتكم، وأسأل الله سبحانه وتعالى بأسمائه الحسنى وصفاته العلى أن يجمعنا دائماً على الهدى والخير في هذه الحياة، وأن يجمعنا في الآخرة في دار كرامته، وفي جنته مع آبائنا، وأمهاتنا، وإخواننا، وأخواتنا، وزوجاتنا، وذرياتنا، وجميع إخواننا المسلمين برحمته، إنه أرحم الراحمين.
هذه المحاضرة تلقى في جامع الحمودي بمدينة جدة بعد مغرب يوم السبت، الموافق للثامن عشر من شهر صفر، عام: (١٤٢٢) للهجرة، على صاحبها أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
وعنوان هذه المحاضرة: (وذكرهم بأيام الله) وأيام الله التي أمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم، وأمر قبله جميع الأنبياء والرسل أن يذكروا أممهم بهذه الأيام هي: الأيام التي يعاقب الله فيها الناس حينما ينحرفون عن منهجه، ويتمردون على شرعه، وحينما يتعرضون لمساخطه، فتحق عليهم لعنته، وينزل عليهم غضبه وأليم عقابه، ويدمرهم بشتى أنواع العذاب والدمار، ولذا يبعث الله الرسل من أجل تذكير الناس بهذه الأيام حتى لا يقع عليهم مثلما وقع على غيرهم.
وآخر الرسل وأفضل الخلق محمد صلى الله عليه وسلم ذكَّر ووعظ، وخوف هذه الأمة، وترك فيها الكتاب الكريم، والسنة النبوية الشريفة؛ من أجل تكرار التذكرة، وإزالة ما قد يعلق على القلوب من صدأ الذنوب والمعاصي، حتى لا يُحق الله عز وجل ما أحقه على الأمم من قبلهم.
ودور العلماء والدعاة إلى الله هو: تحذير الأمم، وتنبيه الناس إلى ما يترتب على هذه الذنوب والمعاصي من العقوبات التي استقرأناها من خلال تاريخ الإنسانية والبشرية منذ بدء الخليقة.
ولو استعرضنا هذا التاريخ البشري والإنساني لوجدنا العبرة ماثلة، ولوجدنا القصص الذي ينبه القلوب، ويقرع النفوس في أن سنة الله التي لا تتبدل، والتي يجريها الله سبحانه وتعالى أنه كلما حاد الناس عن منهج الله، وتمردوا على أمره، كلما عاقبهم الله في الدنيا، وكلما أكدوا عقابه لهم في الآخرة.
ولذا يأمر الله عز وجل رسوله صلى الله عليه وسلم بالذكرى، ويقول: {فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرَى} [الأعلى:٩].
ويقول: {وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ} [الذاريات:٥٥] ويقول: {فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ * لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ} [الغاشية:٢١ - ٢٢].
ولا تعني الذكرى -أيها الإخوة- بالذنوب والمعاصي أن الخير قد انعدم، وأن الناس ليس فيهم خير، لا.
فإن الأمة بخير، والناس لا يزالون على خير، وفي مجتمعنا الذي نعيش فيه تظهر صور الخير ماثلة للعيان، فهاهي المساجد ترتفع مآذنها في كل حي، وهاهي المساجد تمتلئ جنباتها بالشباب والشيب، وبالرجال والنساء، وهاهي حلق العلم ومحاضرات الدين والشريط الإسلامي، وهاهي إذاعة القرآن، وهاهم الشباب ينشئون على الإيمان، وهاهن الفتيات يملأن مدرجات المدارس والجامعات، وهن ثابتات متمسكات بدين الله، فالخير موجود، ولكن -أيها الإخوة- الشر موجود أيضاً، والهجمة شرسة، وأعداء الله من اليهود والنصارى، وممن يستجيب لهم من بني جلدتنا ويتكلم بلساننا، ويعرف مدخلنا ومخرجنا من المغرَّر بهم ها هم يوجهون سهامهم ليرشقوا هذه الأمة، وليخترقوا صفها؛ من أجل زعزعتها وإبعادها عن دينها؛ ولكن: {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:٣٠].
من أجل ذلك -أيها الإخوة- نستجيب لأمر الله، ونذكر بأيام الله، وتأتي هذه المحاضرة بهذا العنوان من أجل تنبيه النائمين، وإيقاظ الغافلين، ورد الشاردين، حتى يهلك من هلك عن بينة، ويحيا من حَيَّ عن بينة.
وهذا الموقف -أيها الإخوة- هو موقف النصح والإخلاص! وبيان الحق والتذكير، وهذا هو الذي أوجبه الله على العلماء والدعاة، وأخذ الله عز وجل عليهم به العهد والميثاق، يقول سبحانه: {وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ} [آل عمران:١٨٧] هذا عهد أخذه الله على العلماء من أهل الكتاب ومن هذه الأمة، على أن يبينوا الحق، وأن يحذروا الناس؛ ولكن -أيها الإخوة- إذا ما سكت العلماء والدعاة ولم يبينوا للناس الحق، ولم يحذروهم من مغبة المعاصي والذنوب فمن يرشدهم؟! ومن أين يتلقون التوجيه؟! أعبر قنوات الفضاء أم عبر أجهزة الشر؟! إن هذه تهدم ولا تبني، وتفضح ولا تستر، وتخرج الناس من الدين ولا تردهم إليه، ولم يبق -أيها الإخوة- إلا هذا المسلك وهو مسلك النصح عن طريق تحذير الناس، يقول عليه الصلاة والسلام -والحديث في صحيح مسلم -: (الدين النصيحة، الدين النصيحة، الدين النصيحة -ثلاث مرات- قلنا: لمن يا رسول الله؟! قال: لله، ولكتابه، ولرسوله، ولأئمة المسلمين وعامتهم).
هذا هو الدين! أي: أن نكون ناصحين مخلصين متواصين متناهين لله: بإخلاص التوحيد له.
ولرسوله صلى الله عليه وسلم: بالمتابعة الصحيحة لهديه وسنته.
ولكتابه: بالعمل بأوامره وترك نواهيه.
ولأئمة المسلمين: بمناصحتهم، وطاعتهم في المعروف، وعدم الخروج عليهم، والدعاء لهم، ولعامة المسلمين: وذلك ببيان الحق لهم، وتحذيرهم من طرق الغواية والضلال، وبيان ما قد يخفى عليهم، فإن من الناس من يقع في الشر نتيجة التغرير والمكر والخداع الذي يقوم به الشيطان وزبانيته من الإنس والجان.
والله عز وجل يأمر بهذا رسوله صلى الله عليه وسلم في كثير من الآيات وفي كثير من الأحاديث بالأمر بطاعة الله سبحانه، وطاعة رسله، والتحذير من معصيته سبحانه، ومعصية رسوله صلى الله عليه وسلم، وبيان ما في امتثال أمر الله عز وجل من حصول الخيرات، وحلول البركات، ودفع النقمة، وما في معصية الله عز وجل ومخالفة أمره من محق البركات في العلم، والأعمال، والأعمار، والذريات، والمكاسب، وفي جميع الشئون والتصرفات.
ويشمل أيضاً التذكير بأيام الله في خلقه، وما أحل الله عز وجل بمن عصوا رسله من المثلات، وسائر ألوان العقوبات، مما يكون من أعظم واعظ للناس لمن كان في قلبه حياة.