للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حال أهل الجنة]

أما عن حال أهلها ونعيم أهلها -جعلنا الله وإياكم من أهلها- فإنهم يدخلون الجنة شباباً، سواءً مت كبيراً أو صغيراً، شيخاً أو كهلاً، فإنك تعود إلى سن ثلاث وثلاثين سنة، وهذا المعدل أفضل معدل لسن الشاب، أما قبله وبعده فليس بحسن، لكن هذا السن أحسن شيء، وطول الواحد منهم طول آدم، ستون ذراعاً، والعرض سبعة أذرع، والجمال جمال وحسن يوسف عليه السلام، والخلق خلق محمد صلى الله عليه وسلم، عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من مات من أهل الجنة من صغير أو كبير يردون بني ثلاثين في الجنة لا يزيدون عليها أبداً وكذلك أهل النار) نعوذ بالله وإياكم من النار.

وروى البخاري والترمذي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أول زمرة تدخل الجنة صورتهم على صورة القمر ليلة البدر، لا يبصقون ولا يتمخطون ولا يتغوطون، آنيتهم من ذهب، وأمشاطهم من ذهب، ومجامرهم من الألوة، ورشحهم المسك) والألوة هي العود، وهو عود الطيب، والعرق الذي يخرج من أهل الجنة المسك.

ويقول عليه الصلاة والسلام -والحديث أيضاً أخرجه الترمذي -: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة النصف، والثانية على لون أحسن كوكب دري في السماء، لكل رجل منهم زوجتان) وهكذا يعيشون في الجنة يأكلون ويشربون، لا يتغوطون ولا يبولون، وإنما يرشح منهم الطعام والشراب رشحاً لونه رشح وريحه ريح المسك، كما أنهم لا يموتون ولا يمرضون، ولا يهرمون ولا يضعفون، ولا يحزنون ولا يتعبون، وليست بينهم عداوة ولا بغضاء، وليس بينهم حسد ولا نزاع، بل إخوة متحابون، يقول الله: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} [الدخان:٥٦] {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ * الَّذِي أَحَلَّنَا دَارَ الْمُقَامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنَا فِيهَا نَصَبٌ وَلا يَمَسُّنَا فِيهَا لُغُوبٌ} [فاطر:٣٤ - ٣٥] {وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَاناً عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} [الحجر:٤٧].

روى الإمام مسلم عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة لسوقاً -السوق هذا كل جمعة- فتهب ريح -يسمونها ريح الشمال- فتحثوا وجوههم وثيابهم بشيء من الجمال، فيزدادون حسناً وجمالاً، فيرجعون إلى أهلهم وقد ازدادوا حسناً وجمالاً، فيقول أهلوهم: والله لقد ذهبتم وعدتم إلينا وقد ازددتم حسناً وجمالاً فيقولون: والله وأنتم لقد ازددتم حسناً وجمالاً) يعني: مع كثرة الاستمرارية والعيش في الجنة يمل بعضهم بعضاً، فيجري التجديد للجمال كل أسبوع، يعني: كل أسبوع ومعك زوجة فيها جمال غير الجمال الأول.

وقارن في الدنيا عندما يكون معك سيارة (موديلها) [٩٥] تستريح فيها، لكن عندما تطلع [٩٦] فماذا تفعل؟ تنظر إلى [٩٦] وتقول: الله ما هذا الجمال! هذه ممتازة، هذه شكلها حسن! وتبقى سيارتك في نظرك قديمة، وإذا جاء (موديل) [٩٧] أصبحت سيارتك أقدم، إلى أن تستقبحها وتبيعها.

لكن لو كان لك كل (موديل)، كلما ظهر (موديل) اشتريته، معناها أنك رجل في مكان عالٍ، كذلك أهل الجنة كل أسبوع، وليس كل سنة، كل أسبوع يجتمعون في سوق اسمه سوق الجنة، وهذا السوق يحصل فيه بيع وشراء، لكن من غير ثمن، السلع موجودة وأنت تأخذ منها ما تشاء، والله يتجلى على الناس في ذلك اليوم:

ويرونه سبحانه من فوقهم نظر العيان كما يرى القمران

وبعد ذلك يرجعون إلى بيوتهم، فإذا دخلوا على زوجاتهم لا يعرفنهم، تقول الزوجة: والله ما أنت الأول، ازددت والله حسناً وجمالاً، وهو يقول: وأنت أيضاً لست الأولى، ماذا فعلت؟ ازددت حسناً وجمالاً.

تغير (الموديل)! كل أسبوع ومعك (موديل) عظيم في الجنة، نسأل الله أن يجعلنا وإياكم من أهلها.

يقول عز وجل وهو يبين أن أعظم نعمة هو النظر إلى وجهه الكريم: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ} [القيامة:٢٢] أي: مشرقة وجميلة {إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:٢٣] أي: مشاهدة، ويقول: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] والزيادة هي: النظر إلى وجه الله الكريم، ويقول: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] والمزيد هو: النظر إلى وجه الله الكريم، فعندما يتجلى الله عز وجل ويكشف لهم الحجاب يخرون سجداً لله عز وجل فيقال لهم: ارفعوا رءوسكم يا عبادي! إن عهد العبادة قد مضى في الدنيا وانقطع، وأنتم اليوم في درا النعيم، ودار الجزاء: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئاً بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ} [الحاقة:٢٤] فلا صلاة ولا صيام ولا صدقة ولا جهاد، بل: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:٧٤].

ويزداد النعيم عليهم عن طريق الملائكة التي تدخل من أجل التبريك والتهنئة، يقول الله عز وجل: {وَالْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ} [الرعد:٢٣ - ٢٤].