للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نعمة المعافاة في الجسد]

قال الله تعالى: {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ} [إبراهيم:٣٤].

أيها الإخوة في الله: يروي الإمام الترمذي في سننه حديثاً يذكر فيه بعض الأذكار التي كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقولها حينما يستيقظ من النوم، وأنتم تعلمون أن الذكر من أبرز خصائصه صلوات الله وسلامه عليه، حتى قالت عائشة في الحديث الصحيح: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر الله في سائر أحواله) كان ذاكراً لله في كل حركة وسكنة من حركات حياته، ومن ضمن الحركات والمتغيرات اليومية التي تجري على الإنسان يقظته بعد النوم، هذه اليقظة وردت فيها عدة أذكار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: منها: (الحمد الله الذي أحياني بعدما أماتني وإليه النشور).

ومنها: الحديث الذي أذكره لكم الآن وهو عند الترمذي، وهو قوله صلى الله عليه وسلم حينما يستيقظ من النوم: (الحمد لله الذي عافاني في جسدي، ورد عليَّ روحي، وأذن لي بذكره) ثلاث كلمات، يحمد الله صلوات الله وسلامه عليه على هذه النعم العِظام، نعمٌ جزيلة نتقلب فيها ولا ندري لها وزناً، ولكن العبد الرباني يعرف قيمة النعمة، وخير عباد الله على الإطلاق رسول الله صلى الله عليه وسلم، يعرف قدر النعمة ويعرف قدر مُسديها ومنعمها فيحمد الله الذي لا إله إلا هو عليها، ويقول إذا استيقظ من النوم مُشعراً نفسه ومستشعراً عظمة هذه النعمة يقول: (الحمد لله).

والحمد لله كلمة عظيمة، معناها: الثناء والتمجيد والتعظيم والاعتراف والشكر؛ لأنها تستلزم كل هذه المعاني.

وجميع آيات الثناء على الله عز وجل، تستلزم الشكر والصبر والاعتراف والعبودية والانقياد؛ والحمد لله هي الكلمة العظيمة التي يقولها أهل الجنة بعد فراغ الأمر والحساب حيث يقولون: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:٧٤] وأيضاً: {وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الزمر:٧٥].

الحمد لله، أي: الثناء المطلق لله، والألف واللام هنا لاستغراق جميع المحامد، أي: كُل حمدٍ وثناء وتبجيل وتعظيم، فإنما نرفعه ونقدمه لله الذي لا إله إلا هو.

إن المسلم في حالة اليقظة من النوم يذكر نعمة الله فيقول: (الحمد الله الذي عافاني في جسدي)، وأنت تتقلب في الليل على فراش في نِعَمِ الله، جميع أجهزتك تشتغل من غير خلل ولا عطب، أجهزة مُعقدة بِدْءاً من رأسك إلى أخمص قدمك، فكم من مفصلٍ وعظم وعِرْق وخلية وجهاز وأداة كلها تعمل، ولو تعطلت واحدة من هذه الأجهزة أو تعطل عِرْق من هذه العروق، أو تعطل مفصل من هذه المفاصل، أو حصل في أحد هذه الأجزاء خلل بسيط لتغيرت عليك حياتك، وأنت تعرف هذا.