[أمراض القلوب وعلاجها]
السؤال
يقول الله تعالى: {فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:١٠] ما هو علاج هذا المرض?
الجواب
هذه الآية يذكر الله عز وجل فيها المنافقين في أوائل سورة البقرة؛ لأن الله تعالى ذكر الناس وقسمهم إلى ثلاث فئات: أصحاب قلوب سليمة صحيحة وهم أهل الإيمان -جعلنا الله وإياكم منهم- وأصحاب قلوب ميتة وهم أهل الكفر، وأصحاب قلوب مريضة وهم أهل النفاق.
فذكر الله أصحاب القلوب الصحيحة بأربع آيات، وذكر الله أصحاب القلوب الميتة بآيتين، وذكر أصحاب القلوب المريضة بثلاث عشرة آية حتى يكشفهم ويعريهم فقال في أول سورة البقرة: {الم ذَلِكَ الْكِتَابُ لا رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِلْمُتَّقِينَ} [البقرة:٢] يعني: أهل القلوب الصحيحة يكون القرآن سبباً في هدايتهم.
فما صفاتهم؟ قال: {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ} [البقرة:٣] أي: لا يعيشون في سجن المادة المنظورة بالعين، بل يؤمنون بعالم الغيب والشهادة، فما غيب عنا فإنه أعظم بملايين المرات مما ظهر لنا {وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ} [البقرة:٤] أي: القرآن {وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ * أُوْلَئِكَ عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:٤ - ٥] الله أكبر ما أعظم هذا التذييل المناسب (أولئك) اسم إشارة للبعيد، لعلو منزلتهم ولعلو درجتهم عند الله {عَلَى هُدًى مِنْ رَبِّهِمْ} [البقرة:٥] يعني ليس هناك ضلال {وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُفْلِحُونَ} [البقرة:٥] جعلنا الله وإياكم منهم.
ثم ذكر الله أصحاب القلوب الميتة التي لا حياة فيها، فقال سبحانه فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ ءأَنذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ} [البقرة:٦] لأن الله علم عدم انتفاعهم بالإنذار، ولماذا? قال تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [البقرة:٧].
ثم انتقل إلى أصحاب القلوب المريضة الذين أظهروا للناس شيئاً وأبطنوا غيره، فأظهروا للناس الإيمان وأبطنوا الكفر والنفاق، فهؤلاء أمرهم مشكل، ووضعهم غريب، فلا بد من توضيح حالهم وكشف احتيالهم، فكشفهم الله تعالى فقال: {وَمِنْ النَّاسِ} [البقرة:٨] أي ليس مؤمناً من الأولين وليس كافراً من الآخرين، ولكن يلبس لبوس الإيمان، ويخفي الكفر قال: {وَمِنْ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ وَبِالْيَوْمِ الآخِرِ وَمَا هُمْ بِمُؤْمِنِينَ * يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَمَا يَخْدَعُونَ إِلاَّ أَنفُسَهُمْ وَمَا يَشْعُرُونَ * فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَهُمْ اللَّهُ مَرَضاً وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ بِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ} [البقرة:٨ - ١٠].
وشفاء هذا المرض وعلاجه بأدوية: أعظمها القرآن الكريم؛ لأن الله تعالى قال: {وَشِفَاءٌ لِمَا فِي الصُّدُورِ} [يونس:٥٧].
ثانياً: السنة المطهرة، هدي النبي صلى الله عليه وسلم وطريقة عيشه، كيف يعبد الله؟ هديه في كل شيء.
ثالثاً: حب المساجد؛ لأنها مشافي القلوب، والملازمة لها والمداومة عليها؛ لأن من ألف المسجد ألفه الله، ومن أحب المسجد أحبه الله، ومن مشى إلى المساجد في ظلمة الليل لقي الله بنور تام يوم القيامة، فحبك للمسجد مما يقوي إيمانك ويسلم قلبك؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في الحديث الصحيح: (ورجل قلبه معلق بالمساجد) فحب المساجد مهم جداً.
رابعاً: حب العلماء؛ لأنهم أطباء القلوب، فإذا أحببتهم ولازمتهم وجلست معهم سلم قلبك.
خامساً: حب الأخوة في الله، عليك أن تتعرف على مجموعة من الصالحين وتربط بهم علاقة الإيمان وتجالسهم، إن كسلت نشطوك وإن غفلت نبهوك، وإن نسيت ذكروك، وإن أخطأت رجعوك، المهم معك في الطريق يعينونك على طاعة الله.
سادساً: بغض أهل الفسق والمعاصي والحذر من مجالستهم، فإنهم مرضى، ولا بد من الحظر الصحي عليهم، فمن جالس المرضى مرض، أليس كذلك؟! فواحد عنده سل، وثان عنده إيدز، وثالث عنده سرطان، تجلس معهم وتأكل وتشرب، لا والله! ولو كانوا إخوانك لا تأكل وتشرب معهم، تقول: والله! ما أقعد معكم.
فاعلم أن هذا عنده سل في دينه، وإيدز في أخلاقه، وسرطان في عقيدته، ما رأيك بهذا تجلس معه؟ خطأ، إذا جلست معه أوردك النار، فاحذر منه وبهذه الأسباب الستة إن شاء الله يسلم قلبك بإذن الله.