للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ظلم العبد لربه سبحانه وتعالى]

الظلم الأول: ظلم العبد لربه: وهو بأن يشرك به، قال عز وجل حكاية عن لقمان وهو يعظ ابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].

وهو في تعريفه اللغوي: وضع الشيء في غير موضعه.

فالعبادة الموضع الشرعي لها أن تكون لله؛ لأنه المعبود بحق، وهو الذي يستحق العبادة؛ لأنه هو الخالق، وما دام هو الخالق لوحده فيجب أن يكون هو المعبود لوحده، فإذا قدمت عبادة لغير الله فإن هذا ظلم؛ لأنه وضع للشيء في غير موضعه، ولهذا يقول لقمان لابنه: {يَا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].

والشرك ثلاثة أقسام باختصار: أولاً: شرك أكبر مخرج من الملة، مخلد لصاحبه في النار، يقول الله عز وجل: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ} [المائدة:٧٢] ولو صلى وصام وتصدق وحج وعمل عملاً كالجبال لكنه أشرك، قال الله عز وجل: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣]، وقال للرسول صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].

وتعريف الشرك الأكبر: هو أن تصرف نوعاً من أنواع العبادة مما لا يصرف إلا لله لغير الله، مثل: الدعاء، والدعاء هو العبادة، وفي الحديث الصحيح: (الدعاء مخ العبادة) ولا يدعى إلا الله، لا تدع نبياً، ولا تدع ولياً، ولا تدع صالحاً، ولا تدع ملكاً، ولا تدع جنياً، ولا تدع إنسياً، ولا تدع إلا الله، يقول الله عز وجل: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلا تَدْعُو مَعَ اللَّهِ أَحَداً} [الجن:١٨] {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي} [غافر:٦٠] أي: عن دعائي {سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠].

ولهذا يصرف بعض الناس الآن الدعاء لغير الله، وهو لا يدري، فيقول: يا نبي! المدد، يا نبي، يا ولي!، يا جني! وبعض الألفاظ الشائعة على بعض ألسنة الجهلة يقول: خذوه يا عفاريت! يا جن! ويقول: هذه لهجة، لكنها شركية، إذا اعتقدها صاحبها وتوجه بالدعاء إلى غير الله أشرك بالله، ولم ينتفع بعد ذلك بعبادة.

النذر يجب ألا ينذر إلا لله، الذبح لغير الله شرك، والطواف بالقبور، فلا يوجد طواف إلا ببيت الله، فمن طاف بقبر أو ضريح أو بأي شيء فإنه شرك.

فالطواف عبادة، وإذا طيف بهذا القبر عُبد من غير الله، أجل شرك.

كذلك التوكل الرغبة الرهبة الخشية الخشوع الخضوع الاستعانة الاستغاثة، كل أنواع العبادة هذه لا تصرف إلا لله وحده، فمن صرفها لغير الله فقد كفر أو أشرك.

ثانياً: شرك أصغر لا يخرج من الملة، ولكنه من أكبر الكبائر، وإذا استمر عليه الإنسان نقله إلى الأكبر، لا يستمر صغيراً لا يوجد صغير دائم، هل رأيتم إنساناً يعيش صغيراً دائماً؟ لا.

حتى الذنوب التي هي صغار مع الزمن تصبح كباراً، يقول الشاعر:

لا تحقرن من الذنوب صغيرا إن الصغير غداً يصير كبيرا

إن الصغير وإن تقادم عهده عند الإله مسطر تسطيرا

الشرك الأصغر مثل الرياء وهو: أن يعمل الإنسان عملاً لله في أصله، لكن يدخل عليه تحسينات من أجل أناس، يعني: شخص دخل المسجد وهو ما أتى يصلي إلا لله، ما عندنا شك أنه ما أتى يصلي للناس، لكن لما أخذ يصلي جعل ينظر وإذا هناك شخص ينظر إليه وله عنده مصلحة؛ فضبط الصلاة لكي يراه الشخص فيقول: والله فلان ما شاء الله! هذه الصلاة عنده! فأصل العمل لله لكن خالطه بعمل لغير الله فهو شرك لكنه أصغر.

أما إذا قصد الإنسان بالعمل أصلاً غير الله فهو شرك أكبر، مثل: الحلف بغير الله كالذي يحلف بالطلاق، أو يحلف بالنبي، أو يحلف بالأمانة، أو يحلف بأي شيء من غير الله، هذا شرك أصغر، لكن يقول العلماء: إن قصد به تعظيم المحلوف به صار شركاً أكبر، إذا كان يعتقد أنه لو حلف بالله يرى أنها يمين بسيطة، لكن لو حلف بالطلاق يرى أنه أعظم، وهذا عند كثير من الناس -خاصة الجهلة منهم- إذا أراد أن يقسم على قضية: إما على ضيوف، أو يريد أن يؤكد موضوعاً، أو يقول صدقاً، ويعلم أنه لو حلف بالله أن الناس لن يصدقوه فيطلق لكي يثبت للناس أنه صادق، هذا عدل عن الحلف بالله لتعظيم المحلوف الآخر وهو الطلاق، والناس لو حلف لهم بالله جعلوه يحنث، وإذا حلف عليهم بالطلاق يصدق، يعني: لو يأتيه ضيوف ويقول لهم: والله ما تذهبون، قالوا: جزاك الله خيراً، وخرجوا وتركوه، لكن لو قال: عليَّ الطلاق ما تذهبوا، فهل سيذهبون أو يجلسون؟ يقولون: لا تحرموه أولاده، لكن احرموه دينه، عرض عليهم وجه المرأة فأطاعوه، وعرض عليهم الله عز وجل فرفضوه، هذا ينقلب إلى شرك أكبر.

ثالثاً: الشرك الخفي، وقد بينه النبي صلى الله عليه وسلم وبين درجة خفائه وقال: (الشرك في هذه الأمة أخفى من دبيب النملة السوداء، في الليلة الظلماء، على الصخرة الصماء) وتصوروا نملة سوداء، في ليلة ظلماء، على صخرة صماء، من يراها؟ الشرك أخفى منها وهو قول العبد: ما لي إلا الله وأنت، أنا متكل على الله وعليك، ومثل هذه الألفاظ، ولذلك شرع الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته وعلمهم دعاء يكفرون به مثل هذه الأمور وهو قول العبد: (اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) هذا الظلم الأول: الشرك.