[الجزاء المترتب على عدم الاستجابة لداعي الله]
الحمد لله على إنعامه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، ونشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تعظيماً لشانه، ونشهد أن نبينا محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وإخوانه.
أما بعد: عباد الله: قد علمتم جزاء الذين يستجيبون لداعي الله، يقول الله عز وجل: {لِلَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنَى} [الرعد:١٨] الحسنى: هي الجنة، والذين لم يستجيبوا؟ {لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لَافْتَدَوْا بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسَابِ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} [الرعد:١٨].
إذا كان الشخص لا يريد طريق الله يُترك؛ لأن الله يقول: {فَذَرْهُمْ يَخُوضُوا وَيَلْعَبُوا حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي يُوعَدُونَ} [الزخرف:٨٣] {ذَرْهُمْ يَأْكُلُوا وَيَتَمَتَّعُوا وَيُلْهِهِمُ الْأَمَلُ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} [الحجر:٣] {كُلُوا وَتَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ} [المرسلات:٤٦] ويقول الله: {إِنَّ إِلَيْنَا إِيَابَهُمْ * ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا حِسَابَهُمْ} [الغاشية:٢٥ - ٢٦] ويقول: {فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا} [لقمان:٢٣].
الذي لا يريد السير على الطريق الصحيح سوف يندم، ويعضُّ على يديه وليس على أصابعه، يأكل يديه أكلاً، كما ذكر الله القصة في سورة الفرقان، يقول عز وجل: {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ} [الفرقان:٢٧] الظالم لنفسه بالمعاصي؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ} [الطلاق:١] {وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي اتَّخَذْتُ مَعَ الرَّسُولِ سَبِيلاً} [الفرقان:٢٧].
يقول: ليتني اتبعت طريق النبي وسنته وسرت على هديه: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً} [الفرقان:٢٨] (فلان) نكرة، فلان خليل من فلان؟ فمن الممكن أن يكون زميلاً، أو شريطاً، أو كتاباً، ومن الممكن أن يكون ريالاً أو درهماً أو ديناراً، ومن الممكن أن يكون منصباً أو جاهاً، ومن الممكن أن يكون زوجة أو والداً أضله عن الله، يقول الله: {يَا وَيْلَتَى لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلاناً خَلِيلاً * لَقَدْ أَضَلَّنِي عَنِ الذِّكْرِ بَعْدَ إِذْ جَاءَنِي} [الفرقان:٢٨ - ٢٩] حرفني عن طريق الله بعد أن هداني الله: {وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِلْإِنْسَانِ خَذُولاً} [الفرقان:٢٩].
يعض الرجل على يديه من الحسرة والندامة، حين يرى أهل الإيمان يقادون إلى الجنان، وهو يقاد إلى النيران، يُسحب على وجهه، يقول الله: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ} [القمر:٤٨] ويقول الله عز وجل: {وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَبُكْماً وَصُمّاً} [الإسراء:٩٧].
قالوا: (كيف يا رسول الله يمشي على وجهه؟! قال: أليس الذي أمشاه في الدنيا على قدمين قادر أن يمشيه في الآخرة على وجه؟ قالوا: بلى) الآن نرى حيوانات وزواحف تمشي على وجوهها كالسلحفاة، والحية، والعقرب، والثعبان كلها تمشي على وجهها، ويوم القيامة يُبعث الكافر يمشي مثلما تمشي الحية، يزحف على وجهه إلى النار، ويُسحب، وكذلك الفاجر والعاصي: {يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ * إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر:٤٨ - ٤٩].
ولا يوجد شيء عبثاً، الله خلقك وخلق فيك العينين، والشفتين، واللسان، والأذنين، واليدين، والرجلين، والقلب، والفؤاد من أجل ماذا؟ من أجل أن تأكل وتشرب وتلعب وتنام وتداوم؟! فقط من أجل هذا؟ لا.
فهذه عمل الحيوان، فلو سألت الحمار أو البقرة أو الثور ماذا يفعل؟! ليس له إلا أن يأكل ويشرب وينكح ويرقد، وأنت تريد أن تصير مثله، هؤلاء الملاحدة والكفار الذين يقولون: نحرر الإنسان من الدين، وهم في الحقيقة ينزلونه إلى مرتبة الحيوان، يجعلونه كالكلب والخنزير، والقرد والحمار.