[المغالطة السادسة: الاعتماد على محبة الصالحين]
من الناس من يعتمد على المغالطة السادسة وهي: مغالطة محبة الصالحين، يقول: والله يا شيخ! أنا أرتاح للصالحين وأنا أحب الصالحين، لكنها محبة جوفاء، ومحبة صورية كاذبة، إذ أنه لا ينتفع بالصالحين، ولا يقلدهم، ولا يعمل عملهم، فأعماله أعمال السيئين، ولسانه يحب الصالحين، فهذا كذاب، يقول الإمام الشافعي:
أحب الصالحين ولستُ منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة
فمن يقول هذا؟ الشافعي وهو من الصالحين، بل من أئمة الصالحين رضي الله عنه وأرضاه، يقول: من اشتغل عن العلم بشراء بصلة لم يتعلم.
وكان إذا أراد أن يحفظ وضع المسطرة على السطر الثاني من أجل ألا تنتقل عينه للسطر الثاني فيحفظه قبل الأول، حفظ موطأ مالك في ستة أيام، وهو أعقد كتاب من كتب الحديث، ولما رآه مالكاً قال: ما أرى إلا أن الله قد نور قلبك بالإيمان فلا تطفئه بظلمة المعاصي.
وخرج يوماً يريد أن يشتري سلعة، فمرت امرأة وكشفت الريح عن عقبها؛ لأن عباءتها طويلة والرياح هبت عليها فكشفت طرف رجلها، فنظر النظرة الأولى المسموح بها، وغض بصره، ولما رجع إلى البيت، أراد أن يقرأ ويحفظ، فإذا به لا يحفظ، فذهب إلى شيخه وكيع بن الجراح، وقال له: يا شيخ! حفظي ما عاد كالسابق، قال: أين ذهبت؟ قال: إلى السوق، قال: وماذا رأيت؟ قال: لا شيء، إلا امرأة مرت وهبت الريح فكشفت عن ساقها فرأيتها، قال: لو أنك كررتها ما حفظت حرفاً، مثل بعض طلبة العلم الآن يقول: أنا لا أحفظ القرآن.
كيف تحفظ القرآن وأنت كل يوم في سوق النساء؟ كيف تحفظ القرآن وأنت تتسمع الأغاني؟ فلا تجتمع الأغاني مع القرآن، فقال رضي الله عنه:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأخبرني بأن العلم نور ونور الله لا يؤتاه عاصي
كان يقول:
أحب الصالحين ولست منهم لعلي أن أنال بهم شفاعة
قال له الثاني ورد عليه:
تحب الصالحين وأنت منهم وحب القوم يلحق بالجماعة
قال:
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة
والشافعي الذي يقول هذا القول! يقول:
أحب الصالحين ولست منهم وأرجو أن أنال بهم شفاعة
وأكره من تجارته المعاصي وإن كنا سواءً في البضاعة
وما عنده من المعاصي مثلما عندنا رضي الله عنه ورحمه، فعليك ألا تعمل سوءاً ثم تحب الصالحين وتقول: أنا أجلس مع الصالحين، من جلس مع قوم يقال: (قوموا مغفوراً لكم).
فمغفور لكم أي: للصالحين للتائبين، أما المقيمون على الذنب فلا؛ لأن عندك موانع.