الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه وسلم أجمعين.
أولاً: جزى الله الإخوة القائمين على أمر هذه الندوة خيراً، حيث هيئوا لنا هذا الاجتماع المبارك وهذه الحلقة الطيبة في هذه الروضة الناظرة وفي هذه المجالس الطاهرة؛ مجالس الملائكة، مجالس النور، المجالس التي يحبها الله ويباهي بأهلها في السماء، المجالس التي يقول الله عز وجل للقاعدين فيها:(قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) لأن من أعظم القربات إلى الله ومن أجلِّ الأعمال إلى الله: ذكر الله تبارك وتعالى، يروي أصحاب السنن أن رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:(ألا أدلكم على أفضل الأعمال عند ربكم، وأزكاها عند مليككم، وخير لكم من إنفاق الذهب والفضة، وخير لكم من أن تلقوا عدوكم فتضربوا رقابهم ويضربوا رقابكم؟ قالوا: بلى يا رسول الله، قال: ذكر الله عز وجل).
وقد كلف الله المكلفين بعبادات محددة في زمن معين وبهيئة معينة وبكمية معينة إلا ذكر الله، فما حدده بعدد ولا بزمن ولا بهيئة أو كيفية، وإنما طلب الإكثار منه وبين أن من صفات عباده: الإكثار من ذكره، قال عز وجل:{إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ}[آل عمران:١٩٠ - ١٩١] وهذه هي حالات الإنسان الثلاث التي لا يمكن أن يكون في غيرها فهو إما أن يكون قائماً أو قاعداً أو راقداً.
فالمؤمن يذكر الله قائماً وقاعداً وعلى جنبه وفي كل حالة من أحواله:{وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ}[آل عمران:١٩١].
ويثني الله عز وجل على أهل ذكره فيقول:{وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ}[الأحزاب:٣٥] ويقول: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلا تَكْفُرُونِ}[البقرة:١٥٢] ويخبر تبارك وتعالى أن من أبرز صفات عباده أهل الإيمان كثرة ذكر الله، يقول عز وجل:{الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُمْ بِذِكْرِ اللَّهِ}[الرعد:٢٨] تسكن قلوبهم وترتاح قلوبهم وتهدأ قلوبهم عند سماع ذكر الله: {أَلا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرعد:٢٨] أي: قلوب أهل الإيمان، جعلنا الله وإياكم منهم.