[تداعي الأمم على الأمة الإسلامية]
ومن علامات الساعة التي وقعت ولا تزال مستمرة: تداعي الأمم على الأمة الإسلامية، والتداعي يعني: التكالب، حتى غدا المسلمون كالأيتام على موائد اللئام، ونعني بالأمم: أمم الكفر الذين لا يرقبون في مؤمن إلاً ولا ذمة، والذين يتعادون في كل شيء إلا في حرب المسلمين فهم أصدقاء فيما بينهم، ويتحدون من أجل القضاء على المسلمين، ومن أجل ألا تقوم لهم قائمة، ولذا يحاربون المسلمين، ولا يريدون أن تقوم لهم قائمة في أي بيئة أو أي بقعة وفي أي زمان أو مكان، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث بمجموع طرقه صحيح، وقد أخرجه الإمام أبو داود وابن عساكر والإمام أحمد في مسنده وأبو نعيم في الحلية، وصححه الألباني في سلسلة الأحاديث الصحيحة، والحديث عن ثوبان رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها) ترون القصعة التي في وسط السفرة كل شخص يمد يده إليها وكذلك تصبح الأمة الإسلامية.
وقد مر زمن على الأمة الإسلامية تداعت عليها دول الكفر وتقاسموها جزءاً جزءاً، فجزء أخذته بريطانيا، وجزء أخذته فرنسا، وجزء أخذته أمريكا، وجزء أخذته روسيا، وجزء أخذته ألمانيا، وجزء أخذته إيطاليا، أي: كما قال النبي صلى الله عليه وسلم.
وبعدما تقاسموها صبغوا المسلمين في بلاد المسلمين بالكفر والضلال وخرجوا وسلموهم القيادة وقد صاروا مثلهم، وأصبح المسلم يتشبه بأخلاق الكفار، -ولا حول ولا قوة إلا بالله! - إلا في قليل من بلاد المسلمين، وهذا مصداق حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة على قصعتها، قال قائل: أومن قلة يومئذ نحن يا رسول الله؟ قال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل) وغثاء السيل: هو الذي يأتي في أول السيل ترونه كثيراً، لكنه بعر وعيدان وشوك، تمسكه بيدك وإذا به ينتهي وكأنه لا شيء، وهكذا أكثر المسلمين -إلا من رحم الله- غثاء كغثاء السيل: (ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم) اليهود شراذم مبعثرة في كل أطراف الأرض، قال الله فيهم: {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ} [البقرة:٦١] وهم أصلهم أولاد الخنازير، وفي نفس الوقت قال الله فيهم: {لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ} [الحشر:١٤] لا يقدر اليهودي أن يبرز لك بسكين أو بعصا إلا من وراء جدار أو من وراء دبابة أو من فوق طيارة: {إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر:١٤] هؤلاء هم اليهود؛ لكن في زماننا ثار اليهود واستأسدوا، واحتلوا المقدسات، وأصبحوا يرعبون المسلمين، بينما كان المسلم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم ينصر بالرعب لمسيرة شهر، مسيرة شهر أماماً ومسيرة شهر وراءً ومسيرة شهر يميناً ومسيرة شهر شمالاً كل من يسمع بالمسلمين يدخل في قلوبهم الرعب ويخافون، والآن هزمنا بالرعب مسيرة سنين، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
ولن يعود لهذا الدين ولهذه الأمة مجدها إلا بما عاد لأولها كما في الأثر: لن يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها، صلاح أولها بالزهد واليقين، وأيضاً يكون صلاح آخرها بالزهد واليقين، وهو إن شاء الله كائن بإذن الله عز وجل.
قال: (وليقذفن الله في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت) وقد وقع هذا كثيراً حينما تداعت الأمم الصليبية على المسلمين وغزوا الأمة، وحينما تداعت الأمم المغولية في عهد التتار؛ خرجوا وهم قبائل متوحشة من منغوليا ومن أواسط آسيا، وخرجوا يسلبون ويقتلون وينهبون، وأشاعوا الرعب والفساد في الأرض حتى وصلوا إلى بلاد المسلمين، ودخلوا بغداد وقتلوا الخليفة وقضوا على الخلافة الإسلامية، وقتل في بغداد أكثر من ستمائة ألف نسمة، وقيل: ثمانمائة ألف، وقيل: مليون، حتى ورد في كتب التاريخ أن المرأة من المغول كانت تأتي على المجموعة من المسلمين فتقول لهم: ناموا فينامون، فتقول: مكانكم فتذهب وتأتي ومعها الحجر وترضخ رأس الأول وذاك جالس بجواره وهكذا، فتضرب ثمانية أو تسعة، تهشم رءوسهم كما يهشم الحبحب، واختبأ الناس أربعين يوماً في الأقبية والبيوت حتى انتشرت الروائح وتسمم الجو ومات خلق لا يعلمهم إلا الله، وخرجوا من بغداد وجاءوا إلى الشام، ولكن وقف لهم المسلمون، وخرج الجيش المسلم من مصر في عين جالوت بقيادة قطز ومعه العلماء، ومن ضمن من معه العز بن عبد السلام، وأحمد بن تيمية يقول المؤرخون: فما استقر؛ لأنهم اختاروه، قالوا: نريد الحرب يوم الجمعة ونريدها ساعة الخطبة والأئمة على المنابر يدعون الله بالنصر للمسلمين، نريد أن نبدأ في تلك اللحظة، وبدءوا، وما هي إلا ساعة من نهار حتى رفع الله عن الكفار يده وأسلموا ظهورهم، وقتلهم المسلمون قتل رجل واحد بسبب الإسلام الصحيح.
ولكن ما الذي يعصم الأمة من هذا التداعي؟ فهناك شيء يمنعها من التداعي ألا وهو دينها الذي يقف حاجزاً دون مطامع أعدائها، فمهما مكر الأعداء ومهما كانت قوتهم؛ فإنهم لن ينالوا من هذه الأمة نيلاً إذا كانت متمسكة بعقيدتها ودينها، وأقرب دليل: ما يعيشه إخواننا في أفغانستان، فدولة الروس العظمى، وهي القوة العظمى الثانية في العالم، فهي وأمريكا سواء، يتسابقون في مجال العلم وفي مجال القوة، اجتاحوا المجر في ست ساعات، ودخلوا أفغانستان وكانوا يتصورون أنها نزهة ست ساعات أو ثمان ساعات، لكنهم مكثوا بها تسع سنوات ولعقوا الدم من أجسادهم، ثم خرجوا يجرون أذيال الهزيمة بعد أن ركعوا، أمام من؟ أمام دول؟ لا، بل أمام مؤمنين مساكين ليس معهم سلاح إلا من أيدي أعدائهم.
لما سألوا سيافاً: من الذي يمدكم بالذخيرة والسلاح؟ قال: سلاحنا من الروس نذبح الروسي ثم نأخذ سلاحه ونذبح إخوته.
وقال لي أحد الإخوة: إن من الشباب المؤمن الذي ذهب من هذه البلاد شخص من المنطقة الشرقية من الثقبة يسمونه أسد الليل، وهو لا يعرف البندق، لا يعرف إلا (الساطور)، فكان إذا ناموا سرى في الليل مثل الأسد، ولا يأتي إلا ومعه رأس أو رأسان يسحبها، من الذي ربى الإيمان في قلبه، بينما هو من قبل كان مغنياً، لكن لما دخل الإيمان في قلبه أصبح أسداً يرعب جيشاً، مثل القعقاع بن عمرو، لما أرسل أحد القادة إلى عمر يطلب النجدة، قال: أرسلت لك القعقاع بن عمرو، وإن جيشاً فيه القعقاع لا يهزم.
الذي يعصم من هذا -أيها الإخوة! - ويحفظ للأمة دينها ومقدساتها وبلادها هو دين الله، علينا بالدين فقط نتمسك به ولن يجعل الله لأحد علينا سبيلاً: {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً} [النساء:١٤١] لكن يوم أن نتخلى عن الدين يسلط الله علينا الأعداء: (من عصاني وهو يعرفني سلطت عليه من لا يعرفني) قبل عام (٦٧) كان الناس يقولون في أغانيهم: (الميج يتحدى القدر).
ويقول آخر: نحن على موعد مع أم كلثوم لتغني لنا في تل أبيب: (أنت عمري، جينا راحة الدنيا كلها).
لا تل أبيب ولا غيرها، والله المستعان.
لماذا؟ لأنا تركنا الله، ويوم جربوا في عام (٧٣) الإيمان والدين والعلم؛ رد الله الكفار وقطعوا القناة وحطموا خط (برليف) الأسطوري الذي قالوا عنه: لا يمكن لأحد أن يتخطاه، قطعه الرجال بالماء وبالعزيمة، وهم يقولون: الله أكبر، ولو زاد الناس هداية لزادهم الله نصراً.
وهكذا كن مع الله يكن معك، دين الله عز وجل هو الذي تكفل الله عز وجل أن ينصرنا به، وفي الحديث الذي يرويه ثوبان أن النبي صلى الله عليه وسلم قال والحديث في صحيح مسلم قال: (إني سألت ربي لأمتي ألا يهلكها الله بسنة عامة وألا يسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، وإن ربي قال: يا محمد إني إذا قضيت قضاءً فإنه لا يرد، وإني أعطيتك لأمتك ألا أهلكهم بسنة بعامة، وألا أسلط عليهم عدواً من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم ولو اجتمع عليهم من بأقطارها) لما تسمعون الآن تصريحات سياف وتصريحات قلب الدين حكمتيار، يعني تصريحات شخص رأسه في السماء، يطلبون منه أن يقابل وزير الخارجية الأمريكي يقول: لا نقابله، ما هؤلاء الرجال؟! قوة الإيمان والعقيدة، يقول هنا: (ولو اجتمع عليهم من بأقطارها، حتى يكون بعضهم يهلك بعضاً) إذا كان بعضهم يقتل بعضاً نزع الله عنهم يده، وتخلى عنهم وبالتالي يحصل عليهم الفساد والدمار.
ولذا -أيها الإخوة- فلا أمن ولا أمان ولا نصر ولا سؤدد لهذه الأمة إلا في ظل دينها.
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يردنا إلى ديننا رداً قويماً، وأن يصلح شباب المسلمين، وجميع المسلمين، وحكام المسلمين في جميع ديار المسلمين، وأن يردهم إلى دينه القويم رداً جميلاً، إنه ولي ذلك والقادر عليه، والله أعلم.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.