[الدنيا لهو ولعب]
كأن سائلاً يسأل فيقول: يا رب! أخبرنا عن هذه الحياة، أخبرنا عن حقيقتها، وما المراد منها، وما الذي بعدها حتى نعمل لما بعد هذه الحياة؟ فيجيب الله في سورة الحديد بصيغة الأمر الموجه إلى الناس يقول: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ} [الحديد:٢٠] اعلموا أنتم يا مكلفين! اعلموا حقيقة هذه الحياة {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الْأَمْوَالِ وَالْأَوْلادِ} [الحديد:٢٠] هذه الدنيا التي نعيشها الآن لعب، أحب شيء عند الناس اللعب، لو علم أن هناك سمرة في الوادي ذهب لها من الخميس، ولكن لو قيل: إن هناك ندوة في المسجد قال: شغلتونا، كل يوم وأنتم تحدثون.
والشيطان ما شغلك كل يوم وهو يلعب بك؟ وشغلة الشيطان سهلة ومحببة.
الوظيفة التي من أجلها خلقك الله: سماع كلام الله، سماع حديث رسول الله في مجلس من مجالس الإيمان، في روضة من رياض الجنة، تحفك فيه الملائكة، وتغشاك فيه السكينة، وتنزل عليك فيه الرحمة، ويباهي بك الله في الملأ الأعلى، وينادي مناديه في آخر الجلسة: (أن قوموا مغفوراً لكم قد بدلت سيئاتكم حسنات) هذه عند كثير من الناس شغلة، يقول: اشغلونا، حتى أن بعضهم يتورط في جلسة من الجلسات فإذا قام المحدث هرب كأنه شاهد ثعباناً أو أسداً، ولكن إذا كان هناك لعب أو (دقة عرقوب) أو ختان أو سمرة قال: دعونا نذهب نطرب، فتلك ليست شغلتك؟ لأنها في سبيل الشيطان، تظله فيه الشياطين، يغشاه القلق والاضطراب، تنزل عليه العذاب -والعياذ بالله- يباهي به الشيطان؛ لأنه مجلس لا يذكر الله فيه (وما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا كان عليهم هذا المجلس حسرة وندامة يوم القيامة) وفي الحديث: (ما من مجلس يجلس فيه الإنسان ثم يقوم ولم يذكر الله فيه إلا تفرقوا على مثل جيفة حمار).
لكن تلك ترضي الشيطان، وبعد ذلك أين يجلس؟ على الطين، وبعد ذلك ليته يجلس مثل جلسة الإيمان التي -الحمد لله- كلاً منا جالس لا تعب ولا شيء، لا.
يدق الأرض دقاً ويقفز ويضرب ويهز جسمه ولكن لا يشعر بتعب؛ لأن الشيطان ينفخه، كلما نقص هواه قال له: انتبه.
وإذا أرادوا أن يبطلوا السمرة قال: يا جماعة! بدري الساعة الثانية عشرة، دعونا نسمر، هذه فرصة لا تفوت، فإذا انتهت السمرة وذهب، فك الشيطان سجنه، وذهب البيت وإذا به مرهق، كأنه مضروب من سنة! لماذا؟ يقول تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزّاً} [مريم:٨٣] ترجه رجاً -والعياذ بالله- إلى المعاصي وإلى الذنوب، حتى إنكم لترون هذا الذي يشغل الاستريوهات في سيارته، يركب سماعة هنا وسماعة هنا، وسماعة هنا وسماعة هنا وبعد ذلك يقول: أريد مسجل استريو! لماذا الاستريو؟ قال: لا أريد موسيقى بسيطة، أريد موسيقى مرجوجة، لأن عقله مرجوج -والعياذ بالله- وإذا نام في البيت في غرفة النوم ركب سماعة كبيرة، والله إني دخلت عند شخص في غرفته ولديه سماعة مثل الدولاب! -لا حول ولا قوة إلا بالله- ما هذه؟ قال: هذه للموسيقى الغربية، يقول: إذا نمت أريد أن أسمع الموسيقى الغربية كي ترجني، لا يأتيه النوم إلا وقد ركبته الأباليس -والعياذ بالله- لا حول ولا قوة إلا بالله! ينام المسلم على ذكر الله وهذا ينام على ذكر الشيطان لترجه الموسيقى، قلت: لماذا هذه؟ قال: للموسيقى الغربية، هذه موسيقى حالمة، موسيقى تجلب الهدوء، موسيقى تريح النفس وتزيل الإرهاق وتريح الأعصاب.
قلت: الحمد الله أنها تعطلت، والله ما منها راحة لا في الدنيا ولا في الآخرة لا حول ولا قوة إلا بالله! وإنا لله وإنا إليه راجعون! هذه الدنيا لعب ولهو يحبها الناس، فاللهو جزء من اللعب لكنه أخص منه، اللعب أعم واللهو أخص؛ لأنه يلهو به الإنسان، ويضيع الوقت به.
ويقول بعضهم: تعال نلعب ورقة، وما هي الورقة؟ ورقة! يلعب بها العقلاء وكبار القوم والناس، يقتلون في سبيلها الأوقات الطوال، بعضهم يجلس بعد العشاء ولا يقوم إلا الساعة الثانية عشرة أو الواحدة أو الثانية وهو متقابل هو ورفيقه، يضرب الأرض بيده، ويزعل ويشتم ولماذا أنت ما أعطيتني؟ كيف أنا ما شفت إشارتي لك؟ ما قلت لك كذا بفمي ولا بعيني ولا بإصبعي؟ لا حول ولا قوة إلا بالله! بل بعضهم يسب بعضاً، يقول لي شخص وقد تاب الله عليه، يقول: والله ما وجدت في نفسي أنني في موقف ذلة في مثل مرة من المرات وأنا كنت ألعب هذا الورق -يقول- وفي مرة من المرات الذي أمامي اشترى -يعني: اللعب- واللعب عليَّ فلازم أعطيه شيئاً يمسك اللعب به؛ لأن الدنيا كلها عنده، وهو عينه في وأنا ما انتبهت -يقول- فوضعت قطعة من الورق أخذها أحد الأخصام -يقول- فقال لي ذاك: أصلك بقرة -يقلل من شأنه وهو مدير إدارة كبير- قال: يا أخي! وصل الأمر إلى هذا الحد؟ قلة الأدب إلى هذا الحد! أنا مدير إدارة ومسئول -يقول- فوضعت الورقة له وقلت: في أمان الله هذا عنده نفس أبية؛ لأن الله يقول: {إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة:٩١] يقول: ومن تلك الليلة تبت إلى الله وتاب الله عليَّ.
هذا هو اللهو، تعال نلهو، نسمر، نتمشى، نفحط، نتكلم، هذا لهو، كله باطل، لا يجوز لك، ما خلقك الله لتلهو، قلت لأحدهم: لا تمض أوقاتك في هذه الخزعبلات.
قال: يا شيخ! فأين تريدني أن نذهب؟ قلت: تحفظ القرآن؟ قال: لا والله.
قلت: حسناً هل تحفظ نصف القرآن؟ قال: لا.
قلت: تحفظ ربعه؟ قال: لا.
قلت: تحفظ جزءاً منه؟ قال: لا.
قلت: تحفظ سورة الملك التي يقول فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (وددت لو أنها في قلب -أو في صدر- كل مسلم من أمتي) لأنها تدافع عنه في القبر؟ قال: لا.
قلت: تحفظ سورة الواقعة التي يقول فيها ابن مسعود: [أن من قرأها في ليلته كفاه الله شر الفاقة في الدنيا]؟ قال: لا.
قلت: تقرأ سورة الدخان، تقرأ سورة يس التي هي قلب القرآن؟ قال: لا.
قلت: حسناً يا أخي! عندك وقت تلعب؟ عندك وقت تلعب بلوت؟ هل تحفظ سنة النبي صلى الله عليه وسلم؟ هل تعرف تفسير: {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ} [الفلق:١ - ٣] ما معنى غاسق إذا وقب؟ قال: لا أعلم.
قلت: وتلعب بلوت -ما شاء الله- فارغ، ليس عندك وقت تملأه، لماذا لا تقرأ تفسير ابن كثير؟ لماذا لا تقرأ صحيح البخاري؟ لماذا لا تقرأ رياض الصالحين؟ لماذا لا تقرأ كتاباً في الفقه؟ لماذا لا تتعلم دينك لتعبد الله وتعيش مسلماً قوياًَ في إيمانك؟