للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[التفكر والتدبر في آيات الله المقروءة في الصلاة]

خامساً: اشرع في قراءة الفاتحة، يقول النبي صلى الله عليه وسلم كما عند مسلم: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي) فدل هذا الحديث على أن الصلاة هي الفاتحة؛ لأنه: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) إذا دخلت في الصلاة تقرأ الفاتحة أولاً قراءة خاشعة ولا تقرأها بسرعة فالسنة أن تقرأها آية آية: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٢ - ٣] عندها تستشعر أنك تخاطب الله؛ لأن الله يقول: (قسمت الصلاة بيني وبين عبدي فإذا قال العبد: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢]، قال الله: أثنى علي عبدي، فإذ قال العبد: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣]، قال الله: حمدني عبدي، فإذا قال العبد: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] قال الله: مجدني عبدي، فإذا قال العبد: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] قال الله: هذه بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل) منك العبادة ومن الله الإعانة، بقي الذي لك أنت، هي سبع آيات: ثلاث لك، وثلاث لله، وواحدة بينك وبين الله، الثلاث الأولى للرب: حمد وثناء ومجد، والثانية: بينك وبين الله منك العبادة ومن الله الإعانة، والثلاث الأخيرة لك: (قال الله: إذا قال العبد: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ * صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٦ - ٧] قال الله: هذه لعبدي ولعبدي ما سأل) نسأل الله وإياكم من فضله.

واحرص على التأمين بعدها، وعند ذلك تفكر وأنت تقول: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} [الفاتحة:٢] أي: تحمد الله بكل محامده؛ لأن الألف واللام للاستغراق، أي: استغراق لجميع المحامد، والعالمين: كل ما سوى الله فهو عالم، فأنت تقول: أي: رب! أصرف إليك جميع المحامد والثناء لك وحدك لا شريك لك؛ ولأنك أنعمت عليَّ بنعمة ليس بعدها نعمة أن أوقفتني بين يديك وجعلتني عبداً من عبادك، ما جعلتني عبداً للشيطان ولا للشهوات ولا للهوى ولا للدنيا.

وبعد ذلك تقول: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} [الفاتحة:٣] وتتأمل في هذه الكلمة أنك تقرب من الله ما دام الرحمن الرحيم؛ رحمن الدنيا ورحيم الآخرة ورحيمهما كأنك تقول: يا رحمن يا رحيم ارحمني في الدنيا والآخرة.

ثم تقول: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة:٤] وهذا اعتراف منك بأن الله هو المتصرف بيوم القيامة.

وكأنك تستجدي ربك وتقول: يا رب ما دمتَ المالك لهذا اليوم أرجوك أن ترحمني في ذلك اليوم.

وبعد ذلك تقول: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] وقدم المفعول هنا للاختصاص، ما قال: نعبدك، قال: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥] أي: لا نعبد إلا إياك {وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة:٥] أي: لا نستعين إلا بك.

ثم تقول: {اهْدِنَا} [الفاتحة:٦] أي: دلنا وأرشدنا وأقمنا على الصراط المستقيم.

ثم تتفكر بعينك وقلبك: أين الصراط المستقيم؟ تقول: هذا الدين الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الكتاب الكريم صراط، وهذا الرسول العظيم صراط، الصراط أي: المضروب على متن جهنم، القرآن صراط، الإسلام صراط، (اهدنا) دلنا وأرشدنا، وأقمنا على هذا الصراط المستقيم الذي لا عوج فيه ولا انحراف.

وبعد ذلك وكأنك تقول: يا رب هناك فئتان منحرفتان وأنا أريد صراط الذي أنعمت عليهم {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ} [الفاتحة:٧] اليهود {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة:٧] هم النصارى، ثم تقول بعدها: آمين.

واحرص على قول: آمين؛ فإنك إذا أمنت فإن معناها: اللهم استجب، وإذا كنت في جماعة وأمنت عند تأمين الإمام ثم وافق تأمينك تأمين الملائكة غفر لك ما تقدم من ذنبك، وهذا الحديث في صحيح البخاري ومسلم، يقول عليه الصلاة والسلام: (إذا أمن أحدكم فوافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه) الله أكبر! رواه البخاري ومسلم.

بعد ذلك عليك أن تفهم ما تقرأه من السور التي تقرأ، فتقرأ بعدها مثلاً: {أَلْهَاكُمْ التَّكَاثُرُ} [التكاثر:١] تفكر في معانيها، وأن الله عز وجل يعيب على النفس ويعاقبها: أن ألهاهم التكاثر والتشاغل في الدنيا، حتى وصلوا المقابر، كل واحد مشغول؛ إلى متى وأنت مشغول؟ ومن هو الذي مات وقد أكمل أعماله؟ لا أحد.

أحد الإخوة زاره أخ له، فقال له: تفضل، قال: إني مشغول، قال: فأخذه إلى مقبرة، وقال له: ما رأيك في هؤلاء؟ قال: هؤلاء موتى، قال: والله ما منهم من أحد مات وقد أكمل عمله، لكن جاء من يأخذهم من العمل، فأنت يجب أن تستغل حياتك في طاعة الله سبحانه وتعالى، وبعد ذلك تتأمل الكلام الذي تقرؤه؛ لأن الله ما أنزله إلا للتأمل والتفكر: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] ويقول تبارك وتعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً} [النساء:٨٢].