[فضائل قارئ القرآن]
عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (اقرءوا القرآن فإن الله تعالى لا يعذب يوم القيامة قلباً وعى القرآن) فالله لا يعذب قلباً يعي القرآن الكريم: (وإن هذا القرآن مأدبة الله -أي: الوليمة، والضيافة التي جعلها الله لعباده- فمن دخل فيه فهو آمن، ومن أحب القرآن فليبشر) فإذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله فاعرف منزلة القرآن في قلبك، إن كنت تسمع القرآن فتفرح به وتستأنس فاعلم أن الله يحبك، وإن كانت الأخرى، وهي إنك إذا سمعت القرآن انقبضت أو سمعت الذكر أعرضت عنه: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ} [الزخرف:٣٦] فاعلم أن الله يبغض الأخرى والعياذ بالله، وهذا الحديث رواه الدارمي بإسناده.
وعن الحميدي قال: سألت سفيان الثوري عن الرجل يغزو أحب إليك أو يقرأ القرآن؟ قال: يقرأ القرآن لحديث البخاري ومسلم: (خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ولكن يوفق ابن القيم رحمه الله ويقابل بين هذا الحديث وبين حديث معاذ بن جبل (الجهاد في سبيل الله ذروة سنام الإسلام) -فهي أعلى مكانة- فيقول: لا شك أن المجاهد في سبيل الله في أرفع المنازل، ولكن إذا جمع مع منزلة الجهاد منزلة القرآن كان في أعلى شيء، ولكن الذي يقرأ القرآن أفضل من الذي لا يجاهد، والذي يجاهد أفضل من الذي لا يقرأ القرآن، والذي يقرأ القرآن ويجاهد أفضل من الذي يقرأ القرآن ولا يجاهد، هذا نوع من التفضيل، والتفاضل بين الأعمال بحسب قوة الأدلة وبحسب مدلولاتها الشرعية.
وثبت أيضاً في الحديث الذي رواه مسلم -وفي هذا تفضيل وترجيح لأهل القرآن- قال عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله تعالى) فدل الحديث على أن أهل القرآن مفضلين، ودليل تفضيلهم أن أقرأهم هو الذي يؤمهم في الصلاة، إذ لا يمكن أن يؤم القوم في الصلاة ويتقدم بهم إلا أفضلهم ديناً وقرآناً وعلماً وسلوكاً.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما، والحديث رواه الإمام البخاري في صحيحه قال: [كان القراء أصحاب مجلس عمر وأهل مشورته] كان لا يجالس إلا أهل القرآن ويشاورهم، وقال الإمام النووي: واعلم أن المذهب المختار الذي عليه اعتماد أكثر العلماء.
أن قراءة القرآن أفضل عند الله في الميزان من التسبيح والتهليل وغيرهما من سائر الأذكار.
وقد ورد في الشرع الحث على إكرام صاحب القرآن، ففي الحديث الذي رواه أبو داود وهو حديث حسن، قال: عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قال رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن) إذا عظمت وأجللت ذا الشيبة المسلم وقدمته وأكرمته وقربته واحترمته، فإنك تجل بهذا وتكرم الله عَزَّ وَجَلّ؛ لأن ما من مسلمٍ يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نوراً على الصراط يوم القيامة، معنى هذا أن له خبرة وله أقدمية في خدمة الدين، ولذا كان له منزلة، وهذا واقع لدى كل الناس حتى في الدوائر الحكومية، فالذي عنده خبرة طويلة يكون له منزلة في الإدارة، ويكون له منزلة في العمل، فيقدم ويرقى ويعطى فرص أكثر؛ لأنه قديم وعنده خبرة طويلة، كذلك الشيبة المسلم الذي عنده أقدمية وأهلية كبيرة وقدم راسخة في الدين حتى شاب رأسه في دين الله، فهذا يقدم ولكن متى؟ هل الشيبة المسلم الطائع، أما الشيبة المسلم الفاجر والعياذ بالله، فهذا ممن لا ينظر الله إليه يوم القيامة، ففي الحديث: (ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة ولا ينظر إليهم ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، منهم: شيخ زانٍ) وفي بعض الروايات: (أُشيمط زانٍ) أي: عمره ستين سنة أو سبعين سنة وهو لا يزال ينظر في النساء ويتتبعهن، ويتمنى الزنا، بل إن بعضهم شيخ كبير ويسافر إلى الخارج ليزني والعياذ بالله.
فالشيبة المسلم التقي الورع الملتزم يجب أن تكرمه، لكن كيف تعرف أنه شيبة؟ بعضهم لا تعرف أنه شيبه؛ لأنه يحلق لحيته فكيف تدري أنه شيبة؟ وبعضهم ينتف الشيب، كلما ظهرت شعرة بيضاء انتزعها لا يريدها حتى لا يقال: إنه شيبة، وبعضهم إذا كثر الشيب لا يستطيع أن ينتفه كله، فيصبغه بالسواد وكلما صبغ وجهه بالسواد وجلس يومين أو ثلاث أيام ظهرت الشعر الأبيض فيصبغها.
وهناك حديث كنت متوقفاً عنه ولكن بعد أن راجعته عليه ظهر لي أنه صحيح، أخرجه وذكره الإمام السيوطي في صحيح الجامع قال: (يأتي أقوام آخر الزمان يصبغون لحاهم بالسواد كحواصل الطير لا يدخلون الجنة ولا يجدون ريحها).
الأمر ليس سهلاً فلا تسود وجهك يا أخي! فيسود الله وجهك في الدنيا والآخرة، اترك الشيب في وجهك وإذا أردت تغييره فغيره بما جاءت به السنة بالحناء والكتم، والكتم موجود، تطحنه ثم تخلطه مع الحناء فتخضب به لحيتك.
أما أن تصبغ وجهك بالسواد من أجل أن تخدع النساء وتخدع الناس وتخدع نفسك، وتقول: أنا شاب وأنت شايب فهذا لا ينبغي.
ولذا قال العلماء: من صبغ وجهه بالسواد ثم خطب امرأة وقبلته بناءً على ما رأت من ظاهره، ثم بعد ذلك اكتشفت أن شيباً فيه فإن لها فسخ العقد، وله أن يطلقها بالقوة؛ لأنه بنى عقده على غرر وخداع وكذب، فاترك الشيب في وجهك يا أخي!
الشيب في رأس الفتى لوقاره فإذا تعلاه المشيب توقرا
فإن من إكرام الله إكرام الرجل ذي الشيبة المسلم، وإكرام حامل القرآن غير الغالي فيه أو الجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط، وهو الرجل الذي مكنه الله بسلطته، والسلطة لا نتصور أنها على مستويات سلطة الملك أو الوزير، لا.
السلطة مقسمة من الملك إلى آخر مسئول في الدولة، فكل شخص يلي أمر المسلمين ولو أمر اثنين، لو كنت رئيس قسم وعندك اثنان، أو مدير مدرسة وعندك خمسة مدرسين، أو كاتب وعندك كاتب آخر، فأنت مسئول ولديك سلطة يجب أن تكون عادلاً فيها، فإذا كنت ذا سلطة في أي مستوى وعدلت في هذا الأمر ينبغي إكرامك؛ لأن إكرامك إكرام لله عَزَّ وَجَلّ.
وعن جابر رضي الله عنه (أن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كان يجمع بين الرجلين في قتلى بدر وأحد ثم يقول: أيهما أكثر أخذاً للقرآن، فإن أشير إلى أحدهما قدمه وجعله الأول في اللحد)؛ لأنه الأقرب إلى الله عَزَّ وَجَلّ.