[حكم الاختلاط بحجة طهارة القلب]
السؤال
في القرية التي أسكن فيها وفي القرى المجاورة من حولنا نشاهد مناظر لا يرضاها الشرع من التبرج وكشف الوجه والصدر والاختلاط في السهرات، ونرى المرأة تجلس مع ابن عمها وابن جارها سواء كانت متزوجة أو غير ذلك، ولما أرشدناهم قالوا: نحن إخوة والقلوب صافية، وأنت تريد أن تفرق بين الأسرة والأقارب، وهذه المرأة أو البنت تذهب إلى العمال؛ والمزارع مثل مزارع البن -كأن الأمر هذا في غير البلاد هذه- فأرشدنا أرشدك الله لعل الله عز وجل أن ينفعهم؟
الجواب
نقول: -أيها الإخوة! - من نور الله بصيرته من الإخوة الذين يقيمون في هذه الديار وعاد إلى بلده فإن مسئولية الدعوة يجب أن يحملها وينشرها، كما منَّ الله عليه وأنقذه مما كان فيه من الضلال، وينبغي أن يحمل هذا النور وهذه المسيرة إلى أهله وعشيرته، وأن يبلغ من يعرف ومن لا يعرف من قراه التي يعيش فيها بدين الله تبارك وتعالى، ولكن ينبغي أن يكون الإبلاغ عن طريق العلم.
لا بد أن تتعلم؛ لأنك إذا أوردت المسألة وقرنتها بالدليل من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أقنعت، أما إذا قلت كلاماً كذا بدون دليل فإنك تقف موقف العاجز عن الرد، ولكن لا يمنعك عدم علمك عن أن تقول الحق، إنما قل الحق فإن استطعت أن تدعمه بالدليل فهذا أفضل، وإن لم تستطع فعليك أن تأمر وتنهى بما تقدر عليه بحسب استطاعتك وما وصل إليه علمك والله عز وجل سيثيبك.
أما هؤلاء الذين يعيشون في الجهل والبعد عن دين الله وشريعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اختلاطٍ، وتبرجٍ، وتكشفٍ، وسهرٍ محرم، ويدعون أن قلوبهم طاهرة، فهؤلاء والله ما قلوبهم بطاهرة، ولا عرفوا دين الله ولا عرفوا سنة النبي صلى الله عليه وسلم، إن الله أمر بالأوامر ونهى عن النواهي وتعبد العباد بهذه الأوامر، وحق العباد أمام الأمر والنهي الامتثال والطاعة لا أن يردوا أمر الله بحجة أن قلوبهم طاهرة، فإن القلب الطاهر هو القلب الذي يستجيب لأمر الله، أما الذي يرد أمر الله فهو قلب نجس، لا طهارة فيه، والذي يقول: أنا لا أحجب زوجتي؛ لأن قلبها وقلبي طاهر، وقلب الرجال طاهر، والله لو كان القلب طاهراً لحجبت امراءتك، إذ ما يمنعك من الحجاب إلا رغبتك ورغبة امرأتك في النظر! أجل.
كيف ترغب المرأة في النظر إلى الرجال والرجل يرغب في النظر إلى النساء ويدعي أن قلبه طاهراً؟! لا نعلم أن قلبك طاهراً، وما شققنا صدرك، لكن الذين هم أطهر خلق الله صحابة رسول الله وأمهات المؤمنين الذين أمرهم الله بالحجاب فقال تعالى: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٣] وأمر الحجاب مثل أمر الصلاة.
ما ظنكم لو قلنا لشخص: جاء رمضان شهر الرحمة والغفران، والشرع يلزمك أن تصوم رمضان، فما صام، ولما جاء في الظهر وإذا به يأكل، ما بك؟ قال: أنا قلبي طاهر ولو ما صمت، والإيمان في الصدور، رمضان ليس بترك الأكل كل يا رجل وأنت على دينك طاهر ما رأيكم فيه؟ كذاب.
وآخر قلنا له: صلِ الصلوات الخمس، قال: ماذا في الصلاة؟ أقوم وأقعد ليس إلا قيام وقعود! ما هذه الصلاة؟ الصلاة صلاة القلب، أنا أصلي في قلبي، قلبي طاهر ولو لم أصل! ما رأيكم فيه؟ هذا كافر.
والذي نقول له: حجب زوجتك قال: الحجاب في القلب، أنا قلبي طاهر ولو لم تكن امرأتي محجبة، قلبي طاهر ولو جالست النساء، هذا مكذب لله ولرسوله، والذي يسمع الأغاني، نقول له: اترك الأغاني يقول: لا.
والله أنا أسمعها من هنا وتخرج من هنا، كلام يذهب، أنا لا أتأثر، نقول: لا.
أنت كذاب لو أنك لا تتأثر لتركته؛ لأنك عصيت الله عز وجل، لا تنظر إلى النساء قال: لا.
حتى ولو نظرت إلى النساء لا يضر، ماذا هناك يا أخي، أنا أملك نفسي، ولو نظرت، فأنا طاهر وشريف! لا.
إنك يوم أن نظرت عصيت الله، ولو كنت طاهراً لما عصيت الله؛ لأن الطهارة هنا طهارة حسية ومعنوية، فالإنسان الذي عنده خبث في قلبه للنساء والنظر إليهن هذا نجاسته نجاسة حسية، يقول الله تعالى: {فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ} [الأحزاب:٣٢] والمرجفون في المدينة والذين في قلوبهم مرض؛ مرض الشهوات، والنساء، وحب الزنا -والعياذ بالله- حتى ولو كان ليس له رغبة في النساء ثم نظر فإن في قلبه مرض، لماذا في قلبه مرض؟ مرض معنوي؛ معصية الله، ولهذا قال العلماء: إن توبة العنين من الزنا الذي لا يقوم له عضو على الزنا -وهو تائب من الزنا؛ لأنه لا يعمل الزنا- قالوا: مقبولة، رغم أن وسيلة الزنا لا توجد، لماذا؟ لأن الله يعامله على قلبه، سواء معه الآلة أو لم تكن معه الآلة.