وفي الصوم معنىً عظيم وهو: الترابط الجماعي بين الأمة؛ لأن المجتمع دائماً إذا تعارف على طاعة وعلى ترك معصية، يسهل على الناس كلهم أن يمارسوا الطاعة أو يتركوا المعصية، فالصائمون في المملكة العربية السعودية لا يجدون أي صعوبة في الصوم في رمضان؛ لأن المجتمع كله صائم، وحتى الكافر صائم؛ لأنه لا يستطيع أن يدخن أو يأكل في المطعم لماذا؟ احتراماً لمشاعر البلد وأهلها.
لكن لو أنك تعيش في بلد من البلدان التي لا تقيم وزناً للصيام مثلاً، وكنت صائماً ذلك اليوم، وإذا بالمطاعم يؤكل فيها في نهار رمضان ويشرب، فإنك سوف تعاني معاناة لا يعلمها إلا الله، ولا يأتي المغرب إلا وقد تقطع قلبك؛ لأن الناس مفطرون وأنت صائم، لكن عندما يكون الناس صائمون وأنت صائم فلا تشعر بشيء، وهكذا يقول العلماء: إن المجتمعات يجب أن تتماسك كلها في تنفيذ أمر الله، ومجتمع لا يوجد فيه زنا لا تجد شخصاً يفكر في الزنا، وكذلك مجتمع لا يوجد فيه خمر ولا ربا؛ لأنه لا أحد يفكر في الربا، وأما إذا أبيح الربا فيصعب على الإنسان أن يترك الربا وهو يرى الناس يرابون، وإذا أبيح الزنا ورأى الناس كلهم يزنون وهو لا يزني يصعب عليه، فممكن أن يقع في الزنا، وإذا رأى الخمور تشرب كما يشرب العصير في بعض البلدان، فيمكن أن يقع في شرب الخمور، ولذا جاء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم أوامر الإسلام، بل عده بعض العلماء ركن من أركان الدين، فالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قوام الدين، وهو صمام الأمان للأمة، فلا يبقى للأمة كيان إلا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو إظهار شعائر الله، وقمع المعاصي والمنكرات؛ لأن المعاصي إذا ظهرت وانتشرت واستمرأها الناس وأحبوها ستكون النفوس مريضة، وتحب المعاصي والشرور، ولكن عندما يرى الناس أن المعاصي محظورة وأن الذي يعملها يجلد ظهره، والذي يسرق تقطع يده، فكل شخص يقف عند حده، فالصوم يظهر لنا منه الترابط الذي يجب أن يكون في المجتمع والتعاون والتكاتف على تنفيذ أمر الله عز وجل، وترك معصية الله تبارك وتعالى.