[التقوى]
التقوى: أن تجعل بينك وبين عذاب الله وقاية، بفعل أمره وترك نهيه.
وقد سئل أحد السلف عنها فقال: [هي الخوف من الجليل، والعمل بالتنزيل، والرضا بالقليل، والاستعداد ليوم الرحيل].
وسئل آخر عن التقوى؟ فقال: "أرأيت إذا دخلت في وادٍ كثير الشوك وأنت حافٍ ماذا تصنع؟ قال: أشمر وأجتهد، أجتهد أني ما أضع قدمي إلا في مكان ليس فيه شوك، قال: كذلك الدنيا؛ الدنيا كثيرة الأشواك أشواك المعاصي وأنت تعيش شمر عنها، فلا تقع عينك إلا في حلال، ولا تسمع بأذنك إلا حلالاً، ولا تتكلم بلسانك إلا في حلال، ولا تمد يدك إلا على حلال، ولا تسير بقدمك إلا في حلال، ولا تطأ إلا بفرجٍ حلال، ولا ينزل في بطنك إلا حلال؛ لأنك تقي، ولكن الذي ليس عنده تقوى يقع بعينه في الحلال والحرام، لا يتوقى من الذي ينظر إليه، والذي ليس عنده تقوى يسمع بأذنه الحلال والحرام، ويتكلم بلسانه بالحلال والحرام، ويطأ بفرجه في الحلال والحرام، ويمد يده على الحلال والحرام، ويسير برجله إلى الحلال والحرام، ويملأ بطنه بالحلال والحرام؛ لأنه ليس بتقي.
يقول الله في أهل التقوى: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الحجر:٤٥] {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} [الطور:١٧] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً} [النبأ:٣١] {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [القلم:٣٤].
وكثير من الآيات التي ذكر الله فيها أهل التقوى وأن لهم الجنة -اللهم اجعلنا من أهلها ومن المتقين-.
ومن السنة ما ذكر في سنن الترمذي وفي مسند أحمد حديث صحيح، يقول عليه الصلاة والسلام: (أكثر ما يدخل الناس الجنة: تقوى الله وحسن الخلق، وأكثر ما يدخل الناس النار: الفم والفرج) شيئان يدخلان الجنة، وشيئان يدخلان النار، الذي يدخل الجنة تقوى الله، تضطرب إذا رأيت امرأة في الناس فتتقي الله، لكن إذا رأيتها وطولت النظر إليها، فأين التقوى؟ إذا سمعت نغمة موسيقية ولو حتى مع الأخبار مباشرة تغلقها، هنا التقوى.
الريال الواحد لو دخل عليك كأنه ثعبان نزل في جيبك فأخرجه، لا تريد إلا الحلال، هذا التقي.
الصلاة: إذا سمعت الأذان يتقطع قلبك إذا تأخرت حتى لو كتفت وأنت تريد الصلاة هذا هو التقي.
وماذا مع هذا؟ حسن الخلق، يقول المفسرون: لماذا جاء حسن الخلق مع التقوى؟ قالوا: تقوى الله للتعامل مع الله، وحسن الخلق للتعامل مع الناس؛ لأن من الناس من عنده تقوى، لكن عنده سوء خلق، تجده تقياً لا يسمع الحرام، ولا يأكل الحرام، ولا يمشي في الحرام، لكن أخلاقه سيئة: سيئة مع أهله، سيئة مع العمال عنده، سيئة مع الجيران، سيئة مع الإخوة، سيئة مع الناس كلهم، لا يسلم شخص من شره، هذا -والعياذ بالله سيئ- ولهذا كاد حسن الخلق أن يذهب بخيري الدنيا والآخرة، وفي الحديث: (أقربكم مني منزلة يوم القيامة أحاسنكم أخلاقاً الموطئون أكنافاً، الذين يألفون ويؤلفون، وإن أبعدكم مني منزلة يوم القيامة كل عتل جواظ جعظري مستكبر) عتل جواظ أي: لا أحد يريده ولا أحد يحبه، ولهذا إذا أردت أن تعرف منزلتك عند الله اسأل: كيف أنت عند الناس هل أنت محبوب؟ هل أنت كريم؟ هل أنت صاحب خلق؟ هل أنت لا تسب ولا تشتم ولا تلعن؟ سبحان الله! بعض الناس تجد عنده جوانب تقوى طيبة، لكن أخلاقه سيئة.
لا بد أن تجمع بين الأمرين: أن تكون ذو تقوى مع الله، وذو خلقٍ حسنٍ مع الناس.
وأكثر ما يدخل الناس النار الفم؛ لأن فيه اللسان وهو منفذ الحرام، والفرج؛ لأن فيه شهوة غالبة، وشهوة طاغية، تتعلق بالنساء، وقد تتعلق أحياناً باللوطية، وهي جريمة منكرة، يقول عبد الملك بن مروان: والله لولا أن الله أخبرنا بخبر قوم لوط ما صدقت أن رجلاً يركب رجلاً؛ لأن هذه الجريمة تأنفها حتى البهائم، ما رأينا حماراً يركب حماراً وهي حمير، ولا قرداً يركب قردا، ولكن الإنسان إذا ضل عن الله وعن سبيل الله، وعن طريق الله عمل هذه الفاحشة، ولذا توعد الله من عملها باللعن، والطرد، والإبعاد عن رحمته: (لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط، لعن الله من عمل عمل قوم لوط) والحديث في مسند أحمد سبعة إلا هؤلاء وكررها ثلاث مرات، واللعن هو: الطرد والإبعاد من رحمة الله.
وفي الحديث: (من وجدتموه يعمل عمل قوم لوط فاقتلوا الفاعل والمفعول به) وعقوبته في الشرع: بعض أهل العلم قالوا: حرقاً، وبعضهم قال: القتل، وبعضهم قال: الرمي كما يرمى الثيب، وبعضهم قالوا: يرمى من أعلى مكانٍ شاهق، كما صنع الله عز وجل في قوم لوط، فإن الله عز وجل أرسل عليهم الملائكة فحملتهم وقراهم إلى أن بلغوا بهم إلى السماء ثم قلبها عليهم، قال الله: {فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ * مُسَوَّمَةً} [هود:٨٢ - ٨٣] أي: معلمة {عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ} [هود:٨٣].
تلك الحجارة لقوم لوط والظالمين من بعدهم واللعنة ليست بعيدة منهم، وقد ورد أنه إذا ركب الذكر الذكر اهتزت السماوات والأرض، فتمسك الملائكة بأطراف السماء وتقرأ سورة الإخلاص حتى يسكن غضب الرب، هذه جريمة منكرة.
أما جريمة الزنا يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما عصي الله بذنب بعد الشرك أعظم من نطفة يضعها الرجل في فرجٍ لا يحل له).
وقال أيضاً: (ومن زنى بامرأة في الدنيا كان عليه وعليها في القبر نصف عذاب هذه الأمة).
وقال أيضاً: (والذي نفس محمدٍ بيده إن ريح فروج الزناة ليؤذي أهل النار).
وقال أيضاً: (والذي نفسي بيده إن فروج الزناة لتشتعل ناراً يوم القيامة) -والعياذ بالله-.