[ثمار غض البصر في الآخرة]
كل عين تبكي يوم القيامة إلا ثلاثاً: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ حرست في سبيل الله، وعينٌ غضت عن محارم الله، ثم مع النظر إلى وجه الله الكريم تنظر إلى النعيم، تنظر إلى زوجاتك من الحور العين: حور مقصورات في الخيام، لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، في الجنات قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان، كأنهن الياقوت والمرجان، بل إنهن كأمثال اللؤلؤ المكنون، وكأنهن بيض مكنون، إذا نظرت إليها رأيت وجهك في كبدها، كبدها مرآتك، وكبدك مرآتها، تجلس عندها قدر نصف يوم من أيام الآخرة خمسمائة سنة، ثم يشرق في الجنة برق يضيء، فيقول الناس: ما هذا؟ قالوا: هذه حورية تبسمت في وجه زوجها، تريد هذه وأنت تتلفت وتتلصص، فكثير من الناس ليس عنده عمل، يخرج إلى السوق لا يبيع ولا يشتري إلا مع الشيطان، لماذا تخرج؟ قال: أنظر، ماذا تنظر؟ تنظر إلى معصية الله! تنظر إلى غضب الله! تنظر إلىلعنة الله! وبعض النساء كذلك تخرج ليس لها عمل إلا أن تنظر، والله خاطب الرجال بهذه الآية وقال: {ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ} [النور:٣٠] أفضل لهم، فلو أنك غضضت بصرك لأعطاك الله اثنتين وسبعين حورية، جاء وصفها في القرآن وفي السنة بما لا يتصوره العقل، يكفيك أن الله يقول فيهن: {كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ} [الصافات:٤٩] {كَأَمْثَالِ الْلُؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ} [الواقعة:٢٣] {كَأَنَّهُنَّ الْيَاقُوتُ وَالْمَرْجَانُ} [الرحمن:٥٨].
تصور زوجتك مثل الياقوتة والمرجانة، هل رأيت في حياتك ياقوتة، لقد حاولت يوماً وأنا أدخل عند بائع الجواهر واللآلئ قلت له: أرني من فضلك قطعة من الياقوت أو المرجان، فأعطاني قطعة صغيرةً لا تزن ستين أو سبعين جراماً في صندوق مذهب، فقلت له: بكم هذه؟ قال: هذه بمئات الآلاف.
فنظرت إليها حقيقة، فسلبت بصري من جمالها، ومن شكلها، ومن عظمتها، قلت في نفسي: فكيف بالزوجات في الجنة كأنهن الياقوت والمرجان.
بالله هل من حقك أن تضيع هذه من أجل خبيثة تنظر فيها؟ يقول:
فاسمع إذاً أوصافها وصفاتها تلك المنازل ربة الإحسانِ
هي جنة طابت وطاب نعيمها فنعيمها باقٍ وليس بفانِ
ويقول ابن القيم رحمه الله في الميمية:
فيا خاطب الحسناء إن كنت راغباً فهذا زمان المهر فهو المقدمُ
فكن مبغضاً للخائنات لحبها لتحظى بها من دونهن وتسلمُ
وصم يومك الأدنى لعلك في غدٍ تفوز بعيد الفطر والناس صومُ
الصائم الآن عن الحرام يشعر بمعاناة، يرى النساء ويغض بصره، فقط هي أيام وليالٍ إلى أن تموت وتفطر في الجنة إن شاء الله، أما ذاك الذي يفطر أتدرون ما مثله؟ مثل من يصوم يوماً في رمضان ومن يفطره، الصائم في نصف النهار يحس بألم الجوع، ويعاني من لذعة العطش، ويريد الأكلة التي كان قد تعودها كل يوم الساعة الثالثة أو الثانية والنصف، لكنه يصبر ويضغط على أعصابه ويذهب ينام، وبعضهم إذا دخل البيت يكون غضبان؛ لأنه صائم، ثم إذا جاء المغرب، ووضعت الموائد، وصفت الصحون، وقدم الماء البارد، والشراب البارد، والطعام الجميل، شعر بفرحة ليس بعدها فرحة، ولهذا جاء في الحديث: (للصائم فرحتان: فرحة عند فطره، وفرحة عند لقاء ربه).
أما ذاك الذي لم يصبر وقال: لن أصوم، وكفر -والعياذ بالله- وأفطر في نصف النهار، وذهب البيت وأكل، إذا أتى المغرب هل له فرحة؟ ليس له فرحة، بل عليه لعنة في قلبه، وإذا مات هل له فرحة؟ ليس له فرحة، بل عليه غضب من الله تبارك وتعالى، فأنت يا مسلم! غض بصرك عن محارم الله عز وجل حتى تمتع بصرك بالنظر إلى وجه الله في الدار الآخرة، وبالنظر إلى زوجاتك من الحور العين، وبالنظر إلى قصورك وأنهارك، وإلى ثمارك وبساتينك، وإلى ما لا عينٌ رأت ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر.
هذا في الآخرة.