للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[المغفرة والرحمة لمن أحسن الظن وأحسن العمل]

أما المغفرة والرحمة والرضوان التي يتشدق بها العصاة في أكثر الأوقات والأحيان حينما يدعون إلى الله وهم مقيمون على الذنوب ومنغمسون في الخطايا فيقولون: الله غفور رحيم، هؤلاء كما يقول ابن القيم: يسيئون الظن بالله؛ لأنهم يتصورون أن الله يعطيهم على المعاصي حسنات، ويعطيهم على المخالفات جنات.

فهؤلاء ما عرفوا الله، ولهذا يقول: {مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [الحج:٧٤] إنهم يصفون الله بصفة تتعارض مع صفات كماله وجلاله، كأن الله لا يعرف يجازي عباده، والله له سنن في الكون أنه يجازي فقال: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} [النجم:٣١] وقال: {مَنْ جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْهَا وَهُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ * وَمَنْ جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النَّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ} [النمل:٨٩ - ٩٠] تعمل السيئات وتذهب عند ربي وتقول: الله غفور رحيم؟ يقول الحسن البصري: [إن قوماً غرهم حسن الظن بالله حتى خرجوا من الدنيا ولا حسنة لهم يقولون: نحسن الظن بربنا.

قال: كذبوا والله لو أحسنوا الظن لأحسنوا العمل] أنت إذا كنت مدرساً عند المدير تحضر أكمل تحضير، ليس تحضيراً صورياً، لا.

تحضر، معنى التحضير: تطلع على المادة قبل أن تدخلها، وتراجع مراجع المادة، تعرف معاني الكلمات، تعرف أسرار الحديث، كل مادة سواءً رياضيات أو حديث أو اجتماعيات أو أدب أو أي شيء، تحضر المادة في الليل، تقرأها وتطلع عليها، تجيب على كل تساؤلات الطلاب، وبعد ذلك تأتي مبكراً مع أول الدوام، تقف في الطابور، تفتش على الطلاب، وبعد ذلك تدخل الحصة مع أول دقيقة، لا تخرج إلا بعد آخر دقيقة، لا تستأذن، طوال العام ما لك ولا إذن واحد، تقضي كل أغراضك بعد الدوام، وبعد ذلك إذا طلب المدير منك أي أمر، تقول: حاضر، حصة فارغة أنا آخذها يا أستاذ! لا يهمك، عندنا نشاط، تحسن العمل في كل شيء، وبعد ذلك ماذا تتوقع بعد كل هذا الإحسان؟ تتوقع الترقية كذا أو لا؟ تتوقع العلاوة، تتوقع البقاء في المدرسة، تتوقع التقدير، لماذا؟ لأنك محسن، فتحسن وتحسن الظن، تحسن العمل مع المدير، وتحسن الظن في المدير.

لكن لو أنك فاشل في الدراسة، التحضير هذا لا تحضر، وكلما قال لك: أين التحضير، قلت: يا شيخ! التحضير هذا كلام صوري، أزعجتمونا بالتحضير، ليس فيه غير نكتب طوال الليالي، والله ما أقرأه ولا أفتحه وإني أرجم به على الماسة وإني لا أراجع فيه، يا أخي! التعليمات هكذا لازم تحضر مادتك، هذه التربية تقول: لازم، طرق التربية والتعليم -مثلاً- تحضر المادة، قال: يا شيخ! كلام فاضي، أنا أحضر من رأسي، رأسي ممتلئ بالعلم، وهو دجال وليس في رأسه حبة.

وبعد ذلك لا يأتي إلا وقد بدأت الحصة، وإذا أتته الحصة وصفرت قعد يتكلم مع هذا ويتكلم مع المدير: يا مدير! ما رأيك؟ يقول له: يا أخي! الحصة بدأت، قال: حاضر، وبعد ذلك خرج ووصل إلى الغرفة حق الفصل بعد ذلك تذكر رجع إلى الفصل: آسف يا أستاذ! نسيت الطباشير، حسناً لماذا لم تدخل وتركت واحداً من الطلاب يأتي لك بالطباشير؟ قال: لا.

لا أريد أن أكلف على الطلاب، وهو ما قصده إلا تضييع خمس دقائق من الحصة، وبعد ذلك رجع: هل الدفتر هنا، أريد وسيلة الإيضاح هذه، أريد الكرة الأرضية، أريد الخريطة هذه، أريد صورة الحمار أو الحصان أو الجمل، المهم يضيع الوقت.

وإذا دخل على الطلاب جلس وقال: اقرءوا يا طلاب! جاء المدير فقام، وبعض المدرسين يغلق الباب من الداخل ويقول: اقرأ يا ولد! وينام على الماسة؛ لأنه سهران في الليل، وبعد ذلك ما رأيكم إذا عرف المدير، إذا أتت حصة أي مدرس قم عنه، قال: يا شيخ! كل ساعة وهذا غائب كل يوم، وأنت لا ترى إلا أنا، عندي شغل، المرأة مريضة، أريد أن أذهب إلى الصحة، أريد أن أذهب إلى السوق، كل يوم له عذر، بالله ما ظنكم بهذا المدير؟ هل يرقي هذا المدرس؟ طيب وإذا رقاه ماذا يكون هذا المدير؟ مغفل؛ لأنه لا يعرف كيف يجازي المدرس الطيب والمدرس البطال.

أما يستحي الشخص أن يقول: إن الله غفور رحيم، وهو لا يتوب من الذنوب؟ يصر على الذنوب ويقول: إن الله غفور رحيم، والله يقول: {نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ * وَأَنَّ عَذَابِي هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ} [الحجر:٤٩ - ٥٠] هو غفور رحيم لمن تعرض للرحمة {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنَا يُؤْمِنُونَ * إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف:٥٥ - ٥٦] أما أن تقيم على المعاصي والذنوب وتداوم عليها وترجو من الله الرحمة والغفران فهذا كذب ودجل، وربنا تبارك وتعالى قد ذكر في القرآن لمن الرحمة ولمن الغفران فقال: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢] تريد أن تكون من أهل المغفرة وفر هذه الشروط الأربعة: {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ} [طه:٨٢] أي: أقلع وندم وارتحل عن الذنوب والمعاصي (وآمن) صحح قضايا إيمانه (وعمل صالحاً) سار في الخط المستقيم، وبعد ذلك (ثم اهتدى) استمر؛ لأن الهداية السطحية، الهداية الزمنية الوقتية، الهداية الموسمية يهتدي أسبوع وبعد ذلك ينتكس، ويهتدي في رمضان وبعد ذلك يترك في شوال، لا ما يصلح، هذا كذاب متلاعب، الهداية أن تهتدي وأن تستمر وأن تثبت على الإيمان حتى تلقى الله عز وجل، هذه هي الهداية الصحيحة، ثم اهتدى {وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى} [طه:٨٢].

هذه أسباب الرحمة وهذه أسباب العذاب، أسباب العذاب: التكذيب والتولية، التكذيب بالحقائق الإيمانية والإعراض عن التكاليف الشرعية، أما أسباب الرحمة والغفران فهي: التوبة، والإيمان، والعمل الصالح، ثم الاستمرارية حتى تلقى الله تبارك وتعالى.

أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يجعلني وإياكم من أهل الرحمة والغفران، وأن يجيرنا وإياكم من العذاب والنيران، وأن يثبتنا وإياكم بالقول الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، وأن يوفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، وأن يستعملنا فيما يحبه، وأن يجنبنا ما يسخطه إنه على كل شيء قدير وبالإجابة جدير، والله أعلم.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.