[وقفة محاسبة]
إخواني! ما هذه الغفلة، وإلى البِلى المصيرْ؟! وما هذا التواني والعمر قصيرْ؟! وإلى متى هذا التمادي في البطالة والتقصيرْ؟! وما هذا الكسل في الطاعة، وقد أنذركم النذيرْ؟! وإلى متى تُماطلون، وتعِدُون، وتكذبون، والناقد بصيرْ؟! انتبهوا -رحمكم الله- فالأمر والله شديد، وبادروا بقية العمر، فالندم بعد الموت لا يفيد! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
أين أحبابكم الذين سلفوا؟! أين أترابكم الذين رحلوا وانصرفوا؟! أين أرباب الأموال والمناصب وما خلَّفوا؟! ندموا على التفريط، يا ليتهم عرفوا! حول مقام يشيب من هوله الوليدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
واعجباً لك -يا أخي! - كلما دُعيت إلى الله توانَيتْ! وكلما حرَّكتك المواعظ إلى الخيرات أبَيتَ وماطلتَ وتمادَيتْ! وكلما حذَّرك الموت ما انتهيتْ! يا من جسده حي وقلبه مَيْتْ! ستُعايِن والله عند الحسرات ما لا تريدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! فَيَبْنِي الإنسانُ العمارة، والفيلة، وغرف النوم الواسعة، والدواوين، والصوالين العريضة، والسيارات الفارهة، فيأتي الموت يُخرجه منكوس الرأس، يُخرجه من القصر إلى القبر، ومن النور إلى الظلام، ومن الأنس إلى الوحشة، ومن الأهل إلى الوحدة.
كم أزعج المنون نفوساً من ديارها؟! وكم أباد البِلى من أجساد منعَّمة ولَمْ يُدارِها؟! وكم نقل إلى القبر أرواحاً بأوزاها؟! أما علمت أن الموت لك بالمرصادْ؟! أما صاد غيرك ولك سيصطادْ؟! أما بلغك ما فعل بسائر العبادْ؟! أما سمعتَ قول الملك المجيدْ: {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩]؟ إخواني! أين مَن بنى وشاد وطوَّلْ؟! أين مَن تأمَّر على العباد وساد في الأوَّلْ؟! أين مَن ظن أنه لا يتحوَّلْ؟! لم يدفع عنه المال ولا العبيدْ؟! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
كأنك -يا أخي! - بالموت وقد اختطفكْ! فيهرب منك الأخ وينسى إخاءكْ! ويُعرض عنك الصديق ويرفض ولاءكْ! وتذهل عن أولادك وعن نسائكْ! ويرجعون يقتسمون مالك ومتاعكْ! وأنت في اللحد فريد وحيدْ! {وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ} [ق:١٩].
والله لقد رُميت القلوب بالقسوة والغفلة، فلا تنتفع بوعظ ولا تخاف من تهديدْ! فإلى الله نشكي قسوة قلوبنا ونفوسنا الظالمة، إنه يفعل ما يريدْ، ونسأله العفو والعافية.
فإنه نعم المولى ونحن بئس العبيدْ.
إخواني في الله: لا مجال لنا في المماطلة، ولا مصلحة لنا من تأخير التوبة، إن الخيار الصحيح والبديل الأمثل أن نستجيب لله من أول لحظة، ثم نلزم الطريق ولا ننتكس، فإن العبرة بالخواتيم، لو صمتَ إلى قبل الغروب بلحظة ثم أفطرتَ بطل صيامُك، ولو صليتَ العشاء إلى قبل السلام بلحظة ثم انتقض وضوءُك بطلت صلاتُك، لا تنتفع بشيء إلا مع حُسن الخاتمة، فلا تطل عليك المدة، {وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} [الحديد:١٦].
سر في طريق الإيمان والزمه، وعض عليه، واثبت عليه، ولو خالفك العالم كله، إذا عرفت فالزم؛ لكن متى يرجع الإنسان وينتكس؟ إذا لم يعرف، وهو ما سنتكلم عنه في سؤال نجيب عنه إن شاء الله في الأسئلة.