للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[رأس المال وكيفية المحافظة عليه]

إن رأس مالك -يا أخي في الله- هو الفرائض فلا تضيعه.

وأهمه: توحيدك، وعقيدتك، فحاسب نفسك وراجعها:- هل عقيدتك صافية؟! هل توحيدك خالص؟! هل تصرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله؟ هل تدعو غير الله؟! لأن الدعاء مخ العبادة، والذي يدعو غير الله يشرك بالله! هل تذبح لغير الله؟! هل تنذر لغير الله؟! هل ترجو غير الله؟! هل تخشى غير الله؟! هل تخاف من غير الله؟! هل تتوكل على غير الله؟! هل تستغيث بغير الله؟! هذه هي أنواع العبادة؛ توحيد الألوهية.

راجع نفسك: هل تقسم بغير الله كما يصنع بعض الجهلة، إذا جاءه ضيف لا يقسم بالله ولكن يحلف بالطلاق؛ لأنه يرى أن القسم بالله سهل، وأن الناس سيسبونه، وإذا ذهبوا قالوا: فلان والله دعانا إلى وليمة سهلة.

عجيب! الذي يطلق إنسان كريم، والذي يحلف بالله سهل! بعضهم يطلق وليس عنده امرأة، يتدرب، حتى لا تأتيه المرأة إلا وقد صار عارفاً برأس ماله، وبعضهم يطلق وامرأته ليست غالية عنده؛ فيقولون: لا تحرمونه من زوجته، طَلَّقَ يا جماعة! لكن إذا قال لهم: والله لا تذهبوا حتى تأكلوا ذبيحتكم.

قالوا: لا.

نحن مشغولون، آسفون.

يقسم لهم بالله، فلا يقدِّرونه، ويقسم لهم بالطلاق فيقدِّرُونه.

هذا من الشرك بالله، ومن تعظيم غير الله عز وجل؛ لأن الحلف بالله تعظيم، والحلف بغير الله تعظيم لغير الله، فمن كان حالفاً فلا يحلف إلا بالله، ومن حلف بغير الله فقد كفر أو أشرك.

هل تدعو غير الله كما يصنع بعض الناس، هناك من يدعو غير الله في بعض البلاد الإسلامية، فيدعون قبوراً عليها القباب، يطاف بها كما يطاف بالكعبة، وتقدم لها النذور، ويُطلب منها ما لا يُطلب إلا من الله؛ يُطلب من صاحب القبر أن يزوج البنت، وأن يشفي المريض، وأن يكشف البلوى، ويقول الشخص لصاحب القبر: يا سيد العارفين، الشكوى على أهل البصيرة عيب، والعارف لا يُعرَّف، يقول: أنت تعرف ماذا في قلبي، والشكوى عليك عيب، أخيرك بالذي في قلبي وأنت تعرفه وذاك ميت مسكين! يقول الله عز وجل: {إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعَاءَكُمْ وَلَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجَابُوا لَكُمْ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَلا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ} [فاطر:١٤].

فلا تدعُ غير الله، ولا تذبح لغير الله، ولا تنذر لغير الله، ولا تذهب إلى كاهن، أو مشعوذ، أو ساحر؛ فإن الذهاب إلى هؤلاء الذين يسمونهم: أصحاب الطب العربي، وهو طب شيطاني وشركي وهو نسف لعقيدتك وتدمير لحياتك: (مَن أتى كاهناً أو عرَّافاً فصدَّقه فقد كفر بما أنزل على محمد) فإذا ابتلاك الله بمرض، أو ابتلى زوجتك، أو ابنتك، فلا تذهب إلى هؤلاء الكهنة، ولا تذهب إلى ساحر لتصرف قلباً عن قلب، أو تعطِّف قلباً على قلب، فإن السحر كفر، والله يقول في القرآن الكريم: {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنْزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُمْ بِضَارِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنْفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} [البقرة:١٠٢].

فالذهاب إلى السحرة كفر! بعض الناس يزوج ابنته -مثلاً- ثم يريد أن يطلقها من هذا الرجل، من أجل أن يبيعها بمائة ألف أخرى، ليس معه وظيفة إلا ابنته، هي سلعته، يبيعها كل سنة على شخص، وبعد أن يزوجها على رجل يقول: لا بد أن يطلقها، فيذهب إلى ساحر فيقول: نريدك أن تصرف الرجل عنها، نريده أن يراها مثل الأتان.

فيقول: نعم.

فيعطيه ألف ريال، وانتهى! هؤلاء هم السحرة وهذا كفر والعياذ بالله.

فلا تذهب إلى ساحر، ولا تصرف، فإن هذا سحر والعياذ بالله.

كل هذه أنواع من الشرك الذي يجب أن تحاسب نفسك عليه؛ لتعرف مقدار عقيدتك وتوحيدك مع الله عز وجل.

أيضاً: حاسب نفسك في الصلاة؛ لأنها أهم أركان الإسلام بعد الشهادتين، وهي عمود الدين، وهي الحبل الممدود من السماء إلى الأرض، مَن وصلها وصَلَه الله ومَن قَطَعها قطعه الله.

حاسب نفسك على الصلاة: أين أنت من الصلاة؟! هل تؤديها؟! وهل تؤديها بكامل الطهارة؟! وهل تؤديها بكامل الخضوع والخشوع وحضور القلب في الصلاة؟! وهل تؤديها مع جماعة المسلمين في المسجد؟! فإن الله لا يقبل الصلاة منك إلا في المسجد إلا مِن عذر، فقد أثنى الله على المؤمنين وقال فيهم: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:٣٦] * {رِجَالٌ} [النور:٣٧] يا سلام! ما أعظم هذا اللقب من الله! سَمَّاهم الله رجالاً، والرجولة هنا لا تعني الذكورة، الواحد مِن الناس إذا كان لا يصلي يقول: أنا رجل.

وهو لا يصلي.

فنقول: لا.

لستَ رجلاً.

فيقول: كيف لستُ رجلاًَ؟! فنقول: أنت ذكر فقط.

حتى الحمار ذكر، والكلب ذكر، والقرد ذكر؛ لكن لست برجل، أنت رجلٌ يوم أن تصلي، فالله يقول: {فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ} [النور:٣٦] مَن هُم؟! {رِجَالٌ} [النور:٣٧] ما عملهم؟ قال: {لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ} [النور:٣٧]، والتعبير بالتجارة؛ لأنها غالب ما يشغل الناس، وإلا فقد ينشغل الإنسان بغيرها، فتلهيه وظيفته، ويلهيه أولاده، وتلهيه شهواته؛ لكن غالب ما يُلهي الناس عن الدين هي التجارة، ثم قال عز وجل: {يَخَافُونَ يَوْماً تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالْأَبْصَارُ} [النور:٣٧].

هذا هو الذي دفعهم إلى المحافظة على الصلاة في المساجد: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة:٤٣].

لا بد أن تراجع نفسك وتحاسبها: هل أنت تصلي الصلوات الخمس في المسجد؟! إذا كان

الجواب

نعم.

فأنْعِم والحمد لله.

وإذا كان الجواب: لا.

فصحِّح من الآن ومن غد، قل: والله لن أصلي إلا في المسجد، خصوصاً الفجر والعشاء، لماذا؟! لأنها مقياس الإيمان، إذا أردت أن تقيس إيمانك، فابحث عن نفسك في صلاة الفجر.

فإن كنت في أحضان المرأة، أو على الفراش فالله المستعان، خَلَفَ الله عليك في إيمانك، وإن كنت في الروضة وفي الصف الأول فأنعِم وأكرِم، للحديث الذي في صحيح البخاري ومسلم يقول عليه الصلاة والسلام: (أثقل الصلاة على المنافقين صلاة العشاء والفجر، ولو يعلمون ما فيهما لأتوهما ولو حبواً).

حاسب نفسك على الصلاة؛ لأن الصلاة مكيال، مَن وفَّى وُفِّي له، ومَن طَفَّفَ طُفِّف عليه.

حاسب نفسك في الخشوع: لأن الشيطان يمكر بك، يدعك تصلي؛ لكن يسحب قلبك في الصلاة وليس لك من صلاتك إلا ما حَضَر فيها قلبُك، فجاهد شيطانك.

فما الفائدة إذا أبعدت قلبك عن الصلاة؟! تريد أن تتمتع بالدنيا؛ لكن جسدك في المسجد؟! فأنت ملزومٌ ملزوم، وما دام أنك ملزومٌ ملزوم إذاً أحْضِر قلبَك، ثم اخرُج، صلِّ العشاء، كم مدة صلاة العشاء من الدقائق؟! (١٠) دقائق، أحْضِر قلبك (١٠) دقائق، ثم وسوس بعدها إلى الفجر، كم معنا من بعد صلاة العشاء إلى الفجر؟! كم ساعة معك؟ ثمان ساعات، هلا وسوسنا فيها؟! لكننا لا نوسوس إلا في العشر الدقائق الخاصة بالصلاة، وبعد الصلاة انتهى، ليس هناك وسواس، ولا هواجس ولا أفكار، وإذا وُضع الطعام أمامنا وبُسطت السفرة من الأرز، واللحم، والإدام، والفاكهة، والخضرة، هل يفكر أحد في غير هذا، هل يأتيك وسواس في العمارة أو في الدراسة وأنت تأكل الأرز؟! لا والله، لن توسوس إلا في الأرز فقط، متر في متر فتوسوس فيه! لماذا؟! لأنك هنا في عمل يحبه الشيطان، أو يرضى عنه أو يبيحه؛ لكن الصلاة أعظم عمل لمحاربة الشيطان؛ ولذا يدخل عليك، ويقسم على باب المسجد ويقول: والله لأخرجنك منها مثلما أدخلتك.

يقول: أنت معاند، الناس أطاعوني وقعدوا يلعبون ويسمرون وأنت أبيت إلا أن تصلي؛ لكن سأريك، أنت عنيد، فيقسم على رأسك وأنت عند الباب: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ} [سبأ:٢٠].

بعض الناس يبر بِقَسَمِ الشيطان فإنه من حين أن يقول: الله أكبر، يسلِّم قلبه للشيطان، ويذهب فيبيع ويشتري ويسافر ويعود ويبني ويهدم ويضرب ويعمل كل شيء أثناء الصلاة، فإذا انتهت الصلاة وسألتَه: ماذا قرأ الإمام في الركعة الأولى.

قال: لا أدري.

- أين أنت يا طويل العمر؟! أين أنت؟! - والله موجود؛ لكني أفكر في الدنيا.

لا إله إلا الله! ما قيمة وجود جسدك في المسجد إذا كان قلبك غير موجود! أحد العلماء يقول وقد سأل شخصاً بعد أن أتم صلاته، قال له: ماذا قرأ الإمام في المغرب في الركعة الأولى؟! قال: لا أدري.

قال: وفي الثانية؟! قال: لا أدري.

قال: لماذا؟! قال: لم أكن موجوداً.

فقال العالم: لو سألنا هذا العمود (الإسمنت): يا عمود، ماذا قرأ الإمام في المغرب؟! تكلم يا عمود! لقال: لا أدري.

العمود يقول: لا أدري، وفعلاً هو لا يدري! حسناً! ما الفرق بين العمودين؟! العمود المتحرك والعمود الثابت؟ العمود الثابت لا يدري، والعمود صاحب الرجلين لا يدري! إذاً: كلاهما لا يدريان؛ لكن الأفضل العمود الثاني؛ لأنه (٢٤) ساعة لم يخرج، وذاك (١٠) دقائق وما ضبطها، ضيَّع نفسه! فحاسب نفسك في خشوعك في الصلاة؛ لأن الصلاة جسد، والخشوع روح، ولا قيمة للجسد بدون الروح، الآن إذا مات شخص ما