أما طعامها وشرابها، فقد ذكر الله عز وجل الطعام بأنه من ألذ اللحوم وهو الطير، قال عز وجل:{وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[الواقعة:٢١] وقال: {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ}[الطور:٢٢] وهذا اللحم غير منقطع، فمتى شئته وجدته، بخلاف ثمرات الدنيا وفاكهة الدنيا، ولحوم الدنيا فإنها توجد في أوقات وتنعدم في أوقات، أما فاكهة الجنة وثمار الجنة فإنها لا مقطوعة ولا ممنوعة، لا مقطوعة بزمن، ولا ممنوعة بثمن:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ}[الزمر:٧٤] واعلم أن الجنة فيها من جميع الثمار ومن جميع الفواكه، التي تعلمها والتي لا تعلمها، ولا تعرف مكانها ولا تحمل في سلة أو كيس وإنما معلقة في أشجارها، وإذا أردتها تدلى لك الغصن، يقول الله عز وجل:{مُتَّكِئِينَ عَلَى فُرُشٍ بَطَائِنُهَا مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَجَنَى الْجَنَّتَيْنِ دَانٍ}[الرحمن:٥٤] وقال عز وجل: {وَذُلِّلَتْ قُطُوفُهَا تَذْلِيلاً}[الإنسان:١٤].
وورد في الحديث أن المؤمن وهو جالس في الجنة يشتهي الفاكهة وهي في الشجرة فيتدلى له الغصن ثم يقطف منه ويأكل ثم يعود الغصن كما كان، يقول الله عز وجل:{قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ}[الحاقة:٢٣] فلا يذهب ليأتي بها ولكنها دانية.
ويروي الترمذي عن أنس رضي الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن في الجنة شجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام لا يقطعها، اقرءوا إن شئتم {وَظِلٍّ مَمْدُودٍ}[الواقعة:٣٠]) ولعلك تقول: يا أخي! إن هذه الشجرة يسير الراكب في ظلها مائة عام فكيف يستطيع أن يأكل من جميع الثمار، فاعلم يا أخي! أن أغصان الجنة ملتفة حول بعضها من كثرتها، يقول الله:{ذَوَاتَا أَفْنَانٍ}[الرحمن:٤٨] أي: ملتفة بعضها على بعض، ولكن تأكل من كل الثمار، وتجد لآخر فاكهة، أو لآخر طعام من اللذة والطعم ما لأول أكلة، لماذا؟ قال العلماء: لأن طعام الجنة ليس كطعام الدنيا، فأنت تأكل طعام الدنيا على أساس تقوية جسمك وتعويضه بالمواد الغذائية، فإذا اكتفى جسمك فإنك بعد ذلك لا تريد، ولهذا إذا شبعت وأتى شخص وأجبرك بشيء طيب، فإنك تقول: طعام طيب ولكني شبعت، فلا أستطيع، وإذا أجبرك وقال: والله لابد أن تأكل -هذا إكرام أم ماذا؟ إهانة- وفتح فمك وأدخل فيه الطعام بالقوة فإنك ستموت أو تتقيء؛ لأنك تأكل لغرض، وهذا الغرض هو تعويض الجسم بالطعام، لكن في الجنة لا تأكل لغرض تعويض الجسم، وإنما تأكل لغرض المتعة.
وفي قول الله عز وجل:{يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِصِحَافٍ مِنْ ذَهَبٍ}[الزخرف:٧١] ذكر ابن كثير حديثاً، قال:(يطوف على رأس كل رجل من أهل الجنة عشرة آلاف خادم مع كل خادم صحفتان: صحفة من ذهب وصحفة من فضة، في كل صحفة لون من الطعام ليس في الثانية مثله) يعني: عشرة آلاف في صحفتين كم تصبح؟ عشرين ألف نوع من الطعام، يأكل من أوله حتى يصل إلى آخره، فيجد لآخر لقمة من الطعم واللذة مثل ما لأول لقمة، لا إله إلا الله! اللهم إنا نسألك من فضلك يا رب العالمين! هذه ثمارها وطعامها.