كيف تقولون لمن يقول: إن الإنسان مسير، وليس مخيراً؟
الجواب
قضية (مسير، ومخير) هذه واضحة جداً، وأنا أبين لكم بمثال: الإنسان هل هو مسير أم مخير؟ أقول لكم: الإنسان مسير ومخير، ففيما لا يستطيع عليه وليس من اختصاصه هو مسير، مثل الخلق، لما خلق الإنسان مسير هو أم مخير؟ لا شك أنه مسير، هل اختار هو خلق نفسه؟ لا.
في اختيار اللون والنوع والبلد والشكل والطول والعرض وذكر وأنثى وأبيض هل هو مسير أم مخير؟ مسير، ثم إذا بلغ سن التكليف يبدأ عنده هنا التخيير {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا}[الشمس:٧ - ٨] إلى أن يموت، فإذا مات يصبح مسيراً، يموت رغماً عنه، وضربت مرة على هذا مثال: إذا ركبت الطائرة من جدة إلى الرياض، أنت في الرحلة في الخط نفسه من جدة إلى الرياض مسير ولست مخيراً، لا تقدر عندما تصل القصيم تقول:(وقف يا ولد، على جنب) وإذا رأيت مزرعة أو وادياً أو جبلاً وقلت: والله نريد نقيل فيها، هل يمكن؟ لا.
الرحلة مسيرة متجهة من جدة إلى الرياض، والركاب كلهم مسيرون، لكنك مخير وأنت في الكرسي من حقك أن تنام، أو تستيقظ، أو تقرأ جريدة، أو تقرأ في المصحف، أو تفتح النافذة التي بجانبك وتنظر، أو تسترخي قليلاً، أنت في هذا مخير.
فهكذا الحياة من البداية في الخلق إلى الموت أنت فيها مسير، لكن أثناء الرحلة وفي حدود دائرتك أنت مخير، تستطيع تصلي وتستطيع ألا تصلي، تستطيع تغني أو تقرأ القرآن، أو أن تتزوج أو تزني، أو تشرب الخمر أو تشرب الحليب، أو تعمل الطيبات أو تعمل السيئات، هذه بين يديك، ولهذا لست مسيراً في هذا؛ لأنك إذا كنت مسيراً في هذا كيف الله يؤاخذك وأنت مسير؟ لا يؤاخذك الله إلا في الأمر الذي خيرك فيه تبارك وتعالى.