نحن في هذه المحاضرة وكأن على رءوسنا الطير، ولكن بعد ذلك نجتمع على لعب الورق والبلوت لنتسلى ونقضي الوقت، نريد أن توضح لنا هل يجوز ذلك أم لا؟
الجواب
تتسلى، تتسلى والنار أمامك، تتسلى والقبر في انتظارك، تتسلى والصراط مضروب أمامك، كيف تتسلى يا أخي؟! عجبت للنار كيف ينام هاربها! وعجبت للجنة كيف ينام طالبها! كان سلفك يا أخي! قليلاً من الليل ما يهجعون، ما ينامون الليل ويراوحون بين ركبهم وجباههم يصلون وبالأسحار هم يستغفرون، وأنت تتسلى، كونك تتسلى ما عرفت حقيقة نفسك وتقول: تقضي وقتاً، لو سألتك يا من تقضي الوقت: هل حفظت القرآن كله؟ تقول: لا.
هل تحفظ جزء عم؟ لا.
هل تعرف تفسير:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ * مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ * وَمِنْ شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ}[الفلق:١ - ٣] ما هو الغاسق إذا وقب؟ تقول: ما أدري! وتقول: تريد تقضي وقتاً، وما تعرف تفسير سورة من كلام الله، وما تعرف حديثاً من أحاديث رسول الله، وما تعرف سنة من سنن رسول الله وتلعب الورق، فالله المستعان! إنا لله وإنا إليه راجعون! يا أخي: ما عندك وقت الآن، وقتك كله يجب أن تملأه؛ لأن الوقت هو عمرك، فاملأه بطاعة الله وبذكره، وبطلب العلم، وبما ينفعك في الدنيا والآخرة.
أما الساعات التي تقضيها في البالوت فقد جاء في الحديث:(ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا كانت عليه حسرة وندامة يوم القيامة)(وما جلس قوم في مجلس لم يذكروا الله تعالى فيه إلا تفرقوا عن مثل جيفة حمار، وكان عليهم هذا المجلس ترة) يعني: عهدة ومسئولية.
فما هناك مجال نلعب يا إخواني! نحن أمة السيف والجهاد والقرآن والعلم والعمل، أما اللعب فليس هو لنا، اللعب للأمم التي تعيش في غير ميادينها الطبيعية، أما ميداننا فهو ميدان شريف جدي، ميدان عمل للدنيا وللآخرة، وبعضهم يلعب البالوت وإذا قالت له المرأة: أحضر لنا حليباً للولد، قال: لا.
لا أستطيع أن أذهب؛ لأني مشغول بالبالوت، يدع ولده يبكي طوال الليل من أجل أن لا يقطع اللعب.
وبعضهم عنده مسكة البالوت وما عنده غاز، تقول المرأة: ما عندنا غاز، قال: غداً، لا.
يا أخي! خدمتك لزوجتك وقضاؤك لأهلك لوازمهم عبادة، لكن البالوت هذا أفيون هذا الزمان، وهو سحر عقول الناس، ثم لو فكرت فيه بعقلك تجد أنه لا يليق بك، ورق مصبغ (وولد وبنت وشايب وشريه وهاف وسبيد وديمن) وغيره هذه من أرشيف الماضي، وبعد ذلك تمر الساعة والساعتان والثلاث والأربع والوقت يمر؛ لأنه في طاعة الشيطان، بل بعضهم والله لا يريد يقوم إلا الفجر، وبعضهم يذهب يدق على الناس وهم لا يريدونه، لكنه يجلس؛ لأنه مخمور بعقله في البالوت، ثم يقوم اثنان ويأتي اثنان وهو جالس لا أحد يقول له: تفضل، ثم إذا مر الليل قال: أنا أريد قسمي معكم، أعوذ بالله من خسة النفس ودناءتها، وبعضهم تراه رجل عاقل أمامك مدير إدارة في رتبة ومنزلة ويأتيك بيده يخبط الأرض الله أكبر! ثم في آخر الجلسة يجب أن يتخاصموا:{إِنَّمَا يُرِيدُ الشَّيْطَانُ أَنْ يُوقِعَ بَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ فِي الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ وَيَصُدَّكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ}[المائدة:٩١] قولوا: إن شاء الله انتهينا.
كان هناك مدير إدارة عندنا في الجنوب يلعب البالوت وكان يعلمني بنفسه وقد تاب الله عليه، يقول: الذي اشترى زميلي واللعب علي، فلازم أعطيه طلبه من أجل أن يمسك اللعب هو بالولد والتسعة والباقيات كلها، يقول: فأنا ما انتبهت عليه يريدني أنظر إليه ماذا يريد، يقول: ما نظرت ونزلت قطعة في غير يده، يقول: فغضب وقال لي -وهذا مدير إدارة كبير- قال له: أصلك بقرة! بعضهم ربما تقول له: بقرة فيقول: صدقت ما انتبهت لك، ما مديت لساني، لكن هذا حر أبي عنده شهامة فأوقف اللعب، وقال: إلى هذا الحد يا فلان، نزلت الآداب إلى أن أصبحت أنا بقرة، قال: يا أخي! ما رفعت رأسك أعلمك ما أريد، قال: هذا آخر عهدها، والله ما ألعبها مدى الحياة، وتاب الله عليه، هو ليس ببقرة، ولكن بعض الناس لا.