ويقول عز وجل:{وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النور:٦٠] القواعد من النساء، هل تدرون من القواعد؟ هي المرأة العجوز التي لصق ساقها بفخذها، ولصق فخذها ببطنها حتى قعدت، لم تعد تستطيع المشي على رجليها، حائرة مسكينة، أصبحت جالسة في مخدعها لم تعد تزحف إلا زحفاً، هذه هي التي أباح الله لها ذلك، وليس عليها جناح أن تضع الحجاب، لكن بشرط: وهي باقية في مخدعها، قال:{غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النور:٦٠] العجوز منعت من التبرج فكيف إذا تبرجت البنت؟!! وهب أن العجوز هذه تبرجت، هل هناك فتنة؟ نعم، يمكن أن هذا العجوز ما درى الناس أنها قاعدة فقامت واستعملت حُمرة أو حناءً أو تطيبت أو أخذت لها ملابس ودخل رجل مُسن ورأى العجوز، فقد يحصل ما يُعبر عنه المثل:(لكل ساقطة لاقطة!) قال الإسلام: هذه العجوز ليس عليها جناح أن تضع ثيابها لكن بشرط {غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النور:٦٠] وقال الله: {وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ}[النور:٦٠] لماذا؟ {خَيْرٌ لَهُنَّ}[النور:٦٠] إذا تغطت العجوز ذات السبعين أو الثمانين سنة فهو أفضل لها، فكيف بالبنت التي عمرها عشرون سنة أو خمسة وعشرون أو ثلاثون تتبرج وتخرج في ثياب مزركشة، الآن هناك عباءات فاضحة، العباءة أصلاً وضعت للستر، أليس كذلك؟ فإذا أصبح الساتر فاضحاً؟ كما لو كانت العباءة منقوشة أو مطرزة أو ملمعة، بالإضافة إلى أنها مرفوعة من فوق الرجل، وأيضاً تلبسها على الكتف، وهو ما يسمونه (الكاب) هذا يُجسم صدرها ويكشف أكتافها، ثم تلبس الكعب العالي وتمشي عليه مع صغره كأنه حافر حمار، وكذلك تعلوها زينة وعطور ومشية مميلة و (باروكة) فوق الرأس! هذا كله حرام في دين الله، وتخرج أكثر البنات في هذا الوضع ولا ينكر عليها زوجها ولا أبوها ولا أخوها، وتمارس هذا الأمر وكأنه شيء طبيعي، هذا هو تبرج الجاهلية الأولى بل أشد.
إذا خرجت المرأة فعليها أن تخرج في حذاء مستوٍ، فإن الله خلقها تمشي على رجلها، ولو أرادها أن تمشي بحافر حمار لجعل لها حافر حمار، وعلى المرأة المسلمة إن خرجت أن تمشي بعباءة ساترة من رأسها إلى قدمها فضفاضة واسعة تجر الأرض، وتمشي في ثياب مبتذلة، لا تأخذ ثياب الزينة ولا تتعطر، وكذا تخرج إذا خرجت للضرورة فقط، الخروج بالنسبة للمرأة أمر طارئ عارض؛ لأن الله يقول:{وَقَرْنَ}[الأحزاب:٣٣] ما قال: اجْلِسْنَ، ولا امْكُثْنَ.
والقرار: هو الدوام.
يقال: الجبل قار يعني: لا يتحرك.
ولا يقال: الجبل ثابت أو الجبل جالس، الجالس سوف يقوم، والثابت سوف يتحرك، لكن قار يعني: لا يتحرك ولا يخرج، قال الله:{وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى}[الأحزاب:٣٣] حتى المرأة العجوز يقول الله عنها: {وَالْقَوَاعِدُ مِنَ النِّسَاءِ اللَّاتِي لا يَرْجُونَ نِكَاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُنَاحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيَابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجَاتٍ بِزِينَةٍ}[النور:٦٠].
ثم إذا كانت اللعنة قد وجبت على نساء بني إسرائيل لما خرجن إلى المساجد فكيف لا تجب على من تخرج إلى الأسواق والمجتمعات لنشر الفساد والمنكر وللدعوة إلى الجريمة؟!! روى البخاري ومسلم عن عائشة رضي الله عنها قالت: [رحم الله نساء الأنصار لما نزل قول الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ}[النور:٣١] شققن مروطهن واختمرن بها] وفي الترمذي قال عليه الصلاة والسلام: (إن المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان).
من هذه الأدلة -أيها الإخوة- يتضح تحريم التبرج تحريماً قطعياً لتصان المرأة من التهتك والسقوط؛ لأن الرجال فيهم البر والفاجر، والطاهر والعاهر، والحجاب يمنع الفتنة ويدعو إلى الحياء والعفة، ويحفظ المرأة من تعرضها للفسقة والأذى، والاختلاط لإبقاء الثقة بين الزوجين، ولقطع دابر الريبة والجريمة والشكوك، والتهم التي تؤدي إلى هدم البيوت وتفكيك الأسر، والبيت للمرأة المسلمة كالصدَفة بالنسبة للؤلؤة تزداد به حسناً وجمالاً وبهاءً ودلالاً، وحين تتبرج وتخرج يذهب جلالها، ويتضاءل جمالها، وينطفئ نورها.