من أجل أن يكون لحياتنا معنى، ويكون لوجودنا قيمة، وتكون لحياتنا أهدافاً لا بد من معرفة أمرين رئيسيين: الأمر الأول: أن تعرف -أيها الإنسان! - من أنت.
والأمر الثاني: أن تعرف -أيها الإنسان! - لماذا خلقك الله، وما الغرض من خلقك.
أولاً: تعرف من أنت أصلاً، والمصيبة أيها الإخوة! أن البشرية اليوم رغم التطور العلمي، وثورة المعلومات، وزمن الاتصالات، وتفجير الذرة، والسباحة في الفضاء، والغوص في الماء، وتطويع المادة، إلا أن البشرية لا تعرف من الإنسان إلا جزءاً بسيطاً من أجزائه، تعرف الجسد فقط، وهل الإنسان هو الجسد؟! الإنسان أشياء، والجسد هو أقل أجزاء الإنسان شأناً وقيمةً، ولا قيمة له إذا تجرد عن الأشياء الأخرى الرئيسية فيه، لكن البشرية لا تعرف إلا هذا الجزء البسيط، ولهذا إذا مرض الجسد عالجوه، وإذا عطش سقوه، وإذا جاع أطعموه، وإذا أصابه الحر بردوه، وإذا برد أدفئوه، فالحياة لديهم جسد في جسد، وعنايتهم به فقط.
يا خادم الجسم كم تسعى لخدمته أتطلب الربح مما فيه خسرانُ
أقبل على الروح واستكمل فضائلها فأنت بالروح لا بالجسم إنسانُ
فأنت لن تكتسب إنسانيتك ولا كرامتك من جسدك، ففي البهائم من هو أقوى منك، الأسد أشد عضلات، والجمل أكبر جسماً، والفيل أضخم حجماً من الإنسان.
إذاً أنت لست إنساناً بهذا الجسد، أنت إنسان بأشياء أخرى، ما هي هذه الأشياء؟ لقد جهل الإنسان نفسه، حتى قال الشاعر:
دواؤك فيك وما تبصر وداؤك منك وما تشعر
وتحسب أنك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
أنت خلق مميز، يقول الله فيك:{ثُمَّ أَنْشَأْنَاهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ}[المؤمنون:١٤] خلقك الله بيده، ونفخ فيك من روحه، وأسجد لك ملائكته، وأنزل عليك كتبه، وبعث إليك رسله، وأعد لك جنته إن أطعته، وتوعدك بناره إن عصيته، هذه كلها سبل تكريم لك أيها الإنسان! ثم تظن أن الله خلقك لكي تأكل وتشرب، مثل البقرة أو الحمار!! لا.
أنت مخلوقٌ مميز، لكن المصيبة أن الإنسان لا يعرف نفسه.