للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[محبة الخلق للعبد الصالح]

الثمرة الرابعة من ثمار الإيمان والدين: ثمرة محبة الخلق لك.

وهذه تأخذها انتزاعاً تنتزعها من الناس، من الذي يستطيع في الدنيا أن يفرض على الناس أن يحبوه؟ هل يستطيع أحد؟

الجواب

لا.

لماذا؟ لأن القلوب ليست بيده، القلوب بيد الله: (قلوب العباد بين إصبعين من أصابع الرحمن يقلبها كيف يشاء) فقد تفرض على شخص أن يحبك.

طيب أحبك وهو يكرهك مثل الشيطان الرجيم؛ لأن القلب ما تستطيع أن تدخله من أجل أن تعرف أهو يحبك أو لا؟ لكن بالإيمان وبمحبة الله لك يلقي الله لك المحبة في قلوب الناس أجمعين، كما جاء في الحديث الصحيح، يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إذا أحب الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أحب فلاناً فأحبه، فيحبه جبريل، ثم ينادي في السماء: يا أهل السماء! إن الله يحب فلاناً فأحبوه، فيحبونه، ثم يلقى له القبول في الأرض، وإذا أبغض الله عبداً نادى جبريل: يا جبريل! إني أبغض فلاناً فأبغضه، فيبغضه، ثم ينادي جبريل في السماء: إن الله يبغض فلاناً فأبغضوه، فيبغضونه، ثم يلقى له البغض والكراهية في الأرض) فترى كل شيء يبغضه حتى جلده وثوبه الذي على ظهره، ولقمته التي يأكلها، وحتى بيته الذي يسكنه، وزوجته، ودابته، وأولاده، فمن يوم أن أبغضه الله كل شيء يبغضه.

أما ذاك المؤمن إذا أحبه الله فإن كل شيء يحبه، حتى أعداءه وأهل الشر يحبونه، ولعلكم تعرفون قصة يوسف عليه السلام لما دخل معه السجن شابان فرأى كل واحد منهما رؤيا من الذي ذهبوا إليه وقالوا: {نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٣٦] وصفوه: {مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف:٣٦] ما ذهبوا للخمارين ولا للزناة ولا للقتلة ذهبوا لمن؟ للصالح يوسف عليه السلام، محبة وإكراماً له واعترافاً بأنه من الصالحين الذين لا يمكن أن يوجد العلم إلا عندهم.

فإذا اهتديت -يا أخي- فهي نعمة أن تكون محط تقدير وموضع محبة الناس كلهم، أليست هذه نعمة؟ لأنك إذا أحبك الناس أولاً: إذا مت شهدوا لك، فلو مات رجل فاضل من فضلاء المجتمع: عالم أو داعية أو صالح، وسمع الناس في مدينة أبها أو في خميس مشيط أو في المنطقة الجنوبية أو في المملكة كلها أن فلاناً مات وهو رجلٌ صالح، فماذا تتوقعون أن يقول الناس عند موته؟ كلهم يدعون له ويثنون عليه، ويقولون: رحمه الله رحمة واسعة غفر الله له أسكنه الله فسيح جناته كان رجلاً عابداً كان قواماً كان صواماً كان صالحاً كان داعيةً كان عالماً كان معلماً للناس الخير هذه الدعوة تأتيه في قبره، وتجمع الأمة على أن تدعو له، والله عز وجل يمضي شهادة الناس؛ لأن الله تعالى يقول: {لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً} [البقرة:١٤٣] ومر على النبي صلى الله عليه وسلم بجنازةٍ فقال: (وجبت) بعد أن أثنى الناس عليها خيرا، ثم مر عليه بجنازة مرةً أخرى فقال: (وجبت) بعد أن أثني عليها شراً، ثم قال عمر: يا رسول الله! قلت: وجبت في الأولى والثانية، قال: (أثنيتم على الأولى خيراً فوجبت لها الجنة، وأثنيتم على الثانية شراً فوجبت لها النار، أنتم شهداء الله في أرضه).

فهل تريد أن يشهد لك الناس بالخير؟ هل تريد أن يدعو لك الناس إذا مت؟ هل تريد أن يحبك الناس إذا ذكرت؟ ذلك هدف من أهداف كل عاقل، وغاية نبيلة يسعى إليها كل إنسان فاضل، لكنك لا يمكنك أن تحصل عليها إلا بالدين، والإيمان، والهداية، وهنا تنتزعها وتجعل الناس كلهم يحبونك؛ لأنه إذا أحبك الله أحبك كل شيء، وإذا أبغضك الله أبغضك كل شيء، وهذه نعمة لا تعدلها نعمة من نعم هذه الدنيا.