للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم صوت المرأة وكشف وجهها]

السؤال

سمعت لكم في أحد الأشرطة، أن مكالمة المرأة الغريبة بالتليفون حرام؛ لأن الأذن تعشق قبل العين، ولكن لدينا فتوى لأحد المشايخ -لا نذكر اسمه- أنه أجاز كشف الوجه للمرأة؛ لأنه ليس بعورة، ويجوز فيها سماع صوت المرأة؛ لأنه ليس بحرام، فما رأيكم؟

الجواب

ليس لي رأي ولا للشيخ رأي، وإنما الحكم لله ورسوله: {إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ} [الأنعام:٥٧] والحكم الذي لله ولرسوله يقتبس من كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإذا جاء نهر النقل بطل نهر العقل، فلا نشغل فكرنا ولا نقبل كلام شيخ بعد أن يأتي الكلام عن الله ورسوله.

أما الكلام عن الله في كشف الوجه وما يتعلق به، فقد ذكر العلماء أن الوجه أعظم ما يمكن أن يوجب الإسلام على المرأة تغطيته، إذ أنه مجمع الزينة والفتنة، ولا يتصور بحال من الأحوال أن يأمر الشرع المرأة المسلمة ألا تضرب برجليها ثم يبيح لها أن تكشف وجهها، يقول الله تعالى: {وَلا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ} [النور:٣١] فكيف يكون هذا حراماً بينما يكون كشف الوجه حلالاً؟ والوجه هو الذي فيه العينين، والشفتين، واللسان، والأنف، والخدين، والجبين، والذقن، وهو مجمع الفتنة كلها، ثم نقول: اكشفوه، ولكن عليكم بحجاب الأرجل، والله قد قال في كتابه العزيز: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٣].

وقد قالت عائشة في قصة رجوعها من غزوة بني المصطلق وقد لحقها صفوان بن معطل رضي الله عنه، وكانت قد تأخرت -وبعد ذلك دارت حولها الفِرية العظيمة التي أفشاها وأشاعها عبد الله بن أبي عليه لعائن الله المتتابعة- فقالت رضي الله عنها: [وكان يعرفني قبل نزول آية الحجاب] يعني: أنها الآن متغطية لم يعرفها، إلا أنه يعرفها من قبل نزول آية الحجاب.

وبعد ذلك يقول الله عز وجل: {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} [النور:٣١] ما هو الجيب؟ الجيب هو: فتحة الثوب التي تدخل منها المرأة رأسها، والله أمر بأن يضرب الخمار على الجيب، إذاًَ أين يقع الخمار؟ على الرأس، ولن يصل الخمار على الجيب إلا إذا مر بالوجه، إلا إذا عمِلت له تحويلة كي تغطي الأذن وتترك الوجه.

أهذا يعقل؟! {وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا} [النور:٣١] وقال عز وجل قبلها: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] هنا المُعول على بعض كلمات المفسرين، قالوا: (ما ظهر منها) أي: الوجه والكفين، لماذا؟ قالوا: استثناها الله.

بأي دليل؟ قالوا: بأدلة أخرى.

إذاً فنأتي على أدلتهم دليلاً دليلاً ونفنّدها كلها، ونرد عليهم: دليل الفضل بن عباس، ودليل المرأة سفعاء الخدين، ودليل أسماء أن المرأة إذا بلغت سن المحيض فإنه لا يجوز أن يظهر منها إلا هذا وهذا، وقد رد أهل العلم على هذه الأحاديث: أما حديث الفضل بن عباس فإنه كانت المرأة الخثعمية محرمة، وإحرام المرأة في وجهها، والرسول ما أقر الفضل، بل صرف وجهه عن النظر إليها.

أما دليل سفعاء الخدين فإنه كان قبل الحجاب، أي أنه منسوخ.

أما دليل أسماء بنت أبي بكر، فإنه منقطع؛ لأن خالد بن شريك الذي روى الحديث ما أدرك أسماء، فالحديث منقطع، وهو ضعيف، بل قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز رحمه الله: إنه موضوع، ولا يحتج به.

إذاً ماذا بقي معهم؟! بل هم في الحقيقة مفلسون، قال العلماء: (ما ظهر منها) أي: شكلها العام الذي لا تستطيع أن تخفيه.

مثلاً: إذا تحجبت المرأة ولبست حجابها الكامل من الكفوف والشرابات وغيرها، ثم خرجت متحجبة مثل الغراب الأسود، فهل يبقى فيها فتنة؟ نعم.

شكلها العام هذا فيه فتنة، لكن أين تذهب؟ تبتغي نفقاً في الأرض أو سلماً في السماء؟! فالله عفا عن هذا الشيء، أما أن نقول: (ما ظهر منها) وجهها، إذاً ما هو الحجاب؟ وقد عُرف في الدين نزول آية الحجاب، وسورة الحجاب، والحجاب حجاب الوجه.

أما الزينة التي قال الله عز وجل فيها: {إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا} [النور:٣١] أي: ما ظهر من الزينة؛ لأن الضمير في اللغة يعود على أقرب مذكور، وأقرب مذكور الزينة، والزينة هنا تنقسم إلى قسمين: زينة خلقية، وزينة كَسبية، والزينة الخلقية أي: الوجه والكفين، والزينة الكسبية أي: الملابس التي تلبسها، ولنرجع إلى القرآن الكريم، ونسأل المفسرين عن كلمة الزينة، وكيف استعملت في القرآن؟ وهل أريد بها الزينة الخلقية أم الكَسبية؟ لنرى أنها في أحد عشر موضعاً من كتاب الله أريد بها الزينة الكَسبية، ومن أراد المزيد فليرجع إلى كتاب اسمه أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ محمد الأمين الشنقيطي رحمه الله، فقد تكلم بكلام عظيم كالذهب الأحمر في كتابه المذكور في سورة الأحزاب عند قول الله عز وجل: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٩] لماذا قال الله: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ} [الأحزاب:٥٩]؟ أي: أن المرأة لا تُعرف بهذا الحجاب، ولكن تعرف بوجهها، فلو أتينا أمامك الآن بمائة امرأة، وبينها زوجتك وابنتك وأختك وهن كلهن متغطيات، ثم قلنا لك: أخرج لنا منهن امرأتك وأمك وأختك؟ هل تستطيع أن تخرجهن من بين النساء؟ فإذا كشفنا وجوههن، وقلنا: أين امرأتك؟ لقلت: تعالي يا فلانة.

فالله أمر المرأة أن تغطي وجهها حتى لا يعرفها أحد فيؤذيها، يتعرف مثلاً على جمالها فيؤذيها: {ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً} [الأحزاب:٥٩].

فالحجاب حجاب الوجه؛ لأن الوجه هو الإنسان، فأنا عندما أتكلم معك أنظر إلى وجهك، فلو أني أخذت أتكلم معك الآن وأنا أنظر إلى رجلك وأقول: كيف حالك؟ فسوف تقول لي: ارفع رأسك! الله أكبر عليك، تكلمني أم تكلم أرجُلي؟! ثم يأتي هذا فيقول: غطوا الأرجل ولكن اكشفوا الوجه.

وأما الأحاديث الصحيحة الكثيرة فهي في مضانها، ولا مجال لأن نزعزع إيماننا، والذين قالوا بكشف الوجه والكفين علماء، لكن نسأل الله أن يغفر لهم زلتهم، وإنهم والله خدموا الماسونية خدمة جليلة بدون مقابل؛ لأن أول هدف من أهداف الماسونية في نبذ الدين وتشتيته هو: خلع الحجاب؛ لأنه إذا خُلع الحجاب فتح الباب، والأمم والشعوب التي وضعت الحجاب وضعت معه الدين، وهاكم ترون وتسمعون، ونحن في هذه البلاد نسأل الله ألا نضع الحجاب، وأن يحفظ لنا الحجاب على وجوه النساء، وأن يحفظ عيوننا من النظر إليهن ليبقى لنا ديننا، لكن يقولون: (ضع النار بجانب البارود ولا تشعل) وهذا مستحيل.

أما الصوت فاسمع فيه كلام الله لا كلامي، يقول الله عز وجل: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:٣٢] فالذي قلت إنه حرام هو: المحادثة بالتليفون، وهي المحادثة المشبوهة، المحادثة التي فيها ريبة، وتأنث، وصوت رخيم، وتشبيب، فهذه لا تجوز، أما الرد على التليفون بالصوت المعروف، كما قال الله عز وجل: {وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:٣٢] فليس فيه شيء، فإذا تكلمت المرأة مع عالم تسأله، أو تكلمت مع رجل تشتري منه أو تبيع أو مع قاضٍ تشهد عنده فليس هناك شيء، أما أن تتكلم بكلام لين رطب فيه مرض وفيه جنس وفيه زنا؛ فهذا محرم؛ لأن الله تعالى يقول: {فَلا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ وَقُلْنَ قَوْلاً مَعْرُوفاً} [الأحزاب:٣٢].