ولكن أيها الإخوة! قد يسأل سائل فيقول: ما هو الدين؟ أو ما هو الإيمان الذي تعنيه؟ الإيمان الذين نريده -أيها الإخوة- هو ما فسره علماؤنا، علماءُ أهل السنة والجماعة، يقولون: الإيمان قول باللسان، واعتقاد بالجنان، وعمل بالجوارح والأركان، يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وأركانه ستة: أن تؤمن بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وبالبعث بعد الموت، وبالقدر خيره وشره من الله تعالى.
ومعنى الإيمان: الجزم والتصديق، وظهور آثار هذا الجزم على عملك، فتؤمن بالله أي تراقبه وتعبده، وتؤمن بملائكة الله أي تعرف أدوارهم، وتتشبه بأخلاقهم في طاعة الله، وتؤمن برسل الله أي تصدق بهم كلهم، وليكن قدوتك خاتم المرسلين سيدنا محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه، وتؤمن بكتب الله المنزلة، ثم تخضع لآخر كتاب منزّل، والمهيمن على كل الكتب، وهو القرآن، وتؤمن بالقضاء والقدر من الله، فترضى بما قسم الله لك، وتؤمن بالبعث بعد الموت، فتعمل لما ينجيك من عذاب الله بعد الموت.
هذا مقتضى الإيمان، وهناك تعريف جديد، يقول العلماء فيه: إن الإيمان عمل قلبي، وقناعة ذهنية، تبلغ أعماق النفس البشرية، وتحيط بها من جميع جوانبها الثلاثة.
وجوانب النفس ثلاثة: إدراك، وإرادة، ووجدان.
فالإدراك يعني: المفاهيم والمعارف والحقائق التي تفهمها، قضايا الإيمان هي كل ما أخبر الله به، وأخبر به رسوله صلى الله عليه وسلم، يجب الإيمان بها، ثم تترجم هذا الإيمان في إرادات تبعث على الخضوع والانقياد والإذعان لكل أحكام الشرع، فلا ترفع رأسك على أمر لله، أمرك الله بغض بصرك فلا تنظر به إلى حرام، وأمرك بحفظ سمعك فلا تسمع به حراماً، وأمرك بكف لسانك فلا تطلقه في حرام، وأمرك بصيانة فرجك فلا تقع به في حرام، وأمرك بحفظ بطنك فلا تدخل فيها إلا حلالاً، وأمرك بكف يدك فلا تمدها إلى حرام، وأمرك بكف رجلك فلا تحملك إلى حرام، وأمرك بالعبادة، والصلاة، والزكاة، وببر الوالدين، ونهاك عن كل محارمه، ثم أذعنت وحققت الإيمان.
الثالث: الوجدان، وهو أن يكون لك قلب حي، يحترق على الإيمان، قلب يعيش هموم المسلمين، وهموم الدين، ويفرح لله، ويغضب لله، ويحب ويكره في الله، يعيش من أجل الله، يضحي بحياته في سبيل الله، يصبغ حياته كلها بمنهج الله، يبرمج كل شئون دنياه وآخرته على وفق دين الله إذا ركبت معه في السيارة ترى الإيمان معه في السيارة، وإذا نظرت إلى وجهه رأيت الإيمان في وجهه، وإذا رأيت لباسه ترى الإيمان في شكله، وإذا دخلت غرفة نومه ترى الإيمان في غرفة نومه، حياته كلها مبرمجة ومصبوغة بالإيمان، هذا هو الذي نريده ونعنيه، وغير ذلك لا يسمى إيماناً، ومن عاش هذا -أيها الإخوان- فسينعم في الدنيا والآخرة، ومن رفض وأبى:{وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ}[الشعراء:٢٢٧].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يرزقنا وإياكم الإيمان الخالص، واليقين الصادق، وأن يدلنا ويوفقنا للعمل الصالح، وأن يثبتنا عليه حتى نلقاه، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
والله أعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.