[النظر إلى الدون في الدنيا وإلى الأعلى في الدين]
ومن أسباب السعادة: أن تنظر إلى من دونك في المستوى المادي وفوقك من المستوى الديني.
فإذا كنت تمشي على قدمين لا تنظر إلى صاحب السيارة وانظر إلى من يمشي وهو معوق ليس عنده أرجل -يمشي في عربية- وقل: الحمد لله! عندي أرجل أمشي عليها, وإذا كانت عندك سيارة موديلها (٨٥ أو ٨٦) فانظر إلى الذي يمشي برجليه ولا تنظر إلى الذي عنده سيارة موديلها (٩٦ أو ٩٧).
ودائماً انظر إلى من هو دونك في المستوى, فإذا كنت تعيش في بيت إيجار فانظر إلى من يعيش في الكوخ أو العراء ولا تنظر إلى صاحب الفلة والقصر؛ لأنك كلما نظرت إلى من هو دونك كلما عظَّمت نعمة الله, أما إذا نظرت إلى من هو فوقك فستجد فوقك كثير؛ لأن الله قَسَّم الأرزاق بين الناس، ورفع بعضهم فوق بعض درجات, لماذا؟ لكي يتخذ بعضهم بعضاً سخرياً؛ لأن الناس لو كانوا كلهم في درجة واحدة لتعطلت الحياة, وحينها من يكنس الشوارع؟ ومن الذي يقوم بالواجبات الأخرى؟ ويؤدي الخدمات؟ فلو كان الناس كلهم أغنياء كما يقال: إذا كنت أميراً وأنا أمير من يسوق الحمير! فتنعدم الحياة, فيتبين لنا أن الله رفع هذا ووضع هذا من أجل أن تمضي الحياة, فأنتم تجدون صاحب العمارة الذي يبنيها -مثلاً- عشرة أدوار وهو واقف تحت, وهناك مليس يليس في الدور العاشر على خشبة صغيرة؛ يد فيها الخلطة ويد فيها الملعقة وتراه يعمل كأنه جالس, ولو أتينا بصاحب العمارة ورفعناه بالونش إلى مكان هذا المليس وقلنا له: ليس هذا الجدار, ماذا يفعل؟ بلا شك أنه سيقع على رأسه, ولا يستطيع أن يمسك نفسه فضلاً من أن يعمل.
فالله جعل هذا من أجل أن تعمر الحياة, فانظر دائماً إلى من هو دونك في المستوى المادي الدنيوي, لكن انظر إلى من هو فوقك في المستوى الديني الشرعي, فإذا رأيت إنساناً عابداً انظر إليه وإلى من يماثله, فالذي يأتي إلى المسجد قبل الأذان سابق مثله, والذي يصوم الإثنين والخميس من كل أسبوع صم مثله, والذي يكثر من قراءة القرآن, ويدعو إلى الله, ويحب الخير ويدعو إليه؛ عليك أن تنافسه فيه, لماذا؟ لأنك تنافس فيما يبقى, وتزداد رفعة ودرجة عند الله سبحانه وتعالى.