[هل تريد الهداية؟]
هذه الستة المعوقات التي تعيق المسلم إذا أراد أن يهتدي، فتقف هذه المعوقات حجر عثرة في طريق هدايته.
هل تريد الهداية يا مسلم؟ إن قلت: نعم، فعليك أن تشغِّل دَرَكْتَرات القوة، ودَرَيْدَرات العزيمة الرجولية، وتزيح هذه المعوقات من طريقك، وتلزم طريق الإيمان.
أولاً: لا تصاحب الفسقة والعصاة، واختر الزملاء الصالحين.
ثانياً: لا تتبع الهوى، ولكن اتبع الشرع.
ثالثاً: لا تعرض عن دين الله، ولكن أقبل على الله، وتعلم واعمل بدين الله.
رابعاً: لا تتكبر بل تواضع واخضع؛ تواضع دائماً في ملبسك، وفي مأكلك، وفي مشربك، وفي مركبك، حتى السيارة التي تركبها وأنت ماشٍ امشِ متواضعاً، كيف تمشي متواضعاً؟ أولاًَ: اركب أي سيارة.
ثانياً: إذا ركبتَ فسم الله؛ إذا شغلت السيارة سم الله واذكر الله.
ثالثاً: اجلس جلسة المتواضع.
رابعاً: شغل السيارة بهدوء.
خامساً: حركها بأدب.
سادساً: راعي آداب الطريق، إذا رأيت أحداً ماراً في الطريق يريد أن يقطع فقِفْ له.
سابعاً: إذا رأيت أحداً يريد أن يسبق بسيارته بعد أن كان محبوساً، ولم يسمح له أحد، فقف له وأشر له، ودعه يمشي، وبعض الناس يعاند، تأتي من هنا يعاند، وتأتي من هناك يأتيك، وينظر، يريد أن يقطع عليك، لماذا هذا الحجز دعه يمشي.
هذه كلها من علامات التواضع.
لكن من علامات الكبرياء: أن يأتي الرجل إلى سيارته، ويفتح الباب بأنفة، برأس إصبعه، وبعد ذلك يضع المفتاح دون أن يذكر الله ودون أن يسمي، وبعد ذلك يضبط المراية التي أمامه، وبعد ذلك يشغل ورقبته منحنية هكذا، ثم عندما يحرك السيارة لا يحركها بهدوء، بل يدوس إلى آخر ضغطة في البنزين وينزع رجله من آخر قوة من الكَلَتْش، فتعمل السيارة لفة، يسميها أصحابُها تفحيطة، يريد أن يفحط في النار، فيلف لفة قوية، فإذا كانت هناك حجارة أو تراب أو شيء فإنه يَحْثُوه على وجوه الناس، وعلى وجوه السيارات التي وراءه، ثم يدخل على هذا من هنا، ويأتي من هنا، ويأتي من هنا، وإذا رأى مارَّاً من هناك أتاه يريد أن يخيفه ويلف عليه، وإذا رأى سيارة أمامه اقترب منها وهكذا.
هذا متكبر ومتغطرس، هذا ستأتيه مصيبة في الدنيا أو في الآخرة، وكل من رآه قال: الله أكبر عليه، الله ينتقم منه، جعلها الله في وجهه، فيدعو الناس عليه.
لكن ذاك المؤمن إذا مشى مشى متواضعاً؛ لأن الله يقول: {الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلاماً} [الفرقان:٦٣]، {وَلا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ مَرَحاً} [الإسراء:٣٧]، حتى بالسيارة، انتبه! (إِنَّكَ لَنْ تَخْرِقَ الْأَرْضَ وَلَنْ تَبْلُغَ الْجِبَالَ طُولاً} [الإسراء:٣٧] لا.
لا تمشِ في الأرض مرحاً، ولا تتكبر.
إذاً: فهذا الكبرياء، وهو المعوق الرابع من معوقات الهداية.
الخامس: لا تعاند في الحق بعد وضوحه، إذا جاءك نهر الدليل، وإذا جاءك الأمر من الله ومن رسوله، فمباشرة لا تعاند، انتبه! أتعاند خالقك؟! أتعاند الذي بمشيئته يقبض عليك؟! أتعاند الذي مصيرك إليه، وناصيتك بين يديه؟! أتعاند الذي لا يمنعه منك شيء، وهو يمنعك من كل شيء؟! فانتبه! السادس والأخير: لا تكذب.
بل كن واضحاً صادقاً في كل أمورك، وفي كل تصرفاتك، مع مديرك، أو مع أستاذك، أو مع والدك، أو مع والدتك، أو مع زوجتك، أو مع أولادك، أو مع جيرانك، قل الحق ولو كان مرَّاً، لا تكذب ولو حمَّلك الصدق جزءاً من المسئولية والمعاناة؛ لكن لو قارنت بين آلام الصدق، وآلام الكذب، لوجدتَ أن آلام الصدق أخف بمليون مرة من آلام الكذب.
هناك رجل توفي والده وهو طفل صغير، أرسلته أمه مع قافلة إلى بلد ما ليتعلم العلم، وقالت له وهي تقبله: يا بني! أوصيك بتقوى الله، وعليك بالصدق، وإياك والكذب.
فقط، تقوى الله، والصدق، وإياك والكذب، وأعطته مائة وخمسين ريالاً، وركب مع القافلة لينتقل إلى قرية فيها عالم يطلب العلم على يديه، وفي الطريق اقتطعت القافلةَ مجموعةٌ من قُطاع الطريق، وهم السرق، وقد جاءوا بالرجال وكتَّفوهم، وسلبوا الأموال، ثم فتشوا الرجال واحداً واحداً، ولما أتوا إلى الولد وهو جالس، قال سيدهم: لا تفتشوه، فليس عنده شيء، قال الولد: لا.
عندي مائة وخمسين ريالاً، قال: فتشوه، ففتشوه فوجدوا معه مائة وخمسين ريالاً، فأخذوها منه.
أما زعيم اللصوص فقد استرعى انتباهه هذا الموقف، قال: يا ولدي! لماذا قلت هذا الكلام، ونحن قلنا: ليس عندك شيء؟ قال: إن أمي أوصتني بتقوى الله، والصدق، وحذَّرتني من الكذب، فإن الصدق يوصل إلى الجنة، وإن الكذب يورد إلى النار، فأنا خشيت أن أكذب وأدخل النار.
هذا الموقف هز الرجل هزة عنيفة، وقال: سبحان الله! طفل صغير يخاف من الكذب، حتى على ماله الذي هو له، حتى لا يدخل النار، ونحن ما نخاف من الله عز وجل، ثم التفت إلى رجاله وقال: ما أنا فيكم؟ قالوا: أنت سيدنا وفحلنا، قال: كلامكم وطعامكم وشرابكم عليَّ حرام إلا أن تشيروا معي فيما أشير به، قالوا: معك -في الخير أو الشر؛ لأنه فحل وبطل- فقال: إلى أين أنت ذاهب يا ولد! قال: أطلب العلم عند العالم الفلاني، أرسلتني أمي، قال: ونحن معك، ثم أمر بفك الرجال كلهم، وأرجعوا مال كل واحد إليه، وأرجعوا مال الولد إليه، وتابوا توبة إلى الله، وأصبح هذا الرجل من خيار الصالحين، هذا بسبب ماذا؟ هذا كله بسبب الصدق.
الناس الآن يقولون: اكذِبْ تَنْجُ! لا.
بل اصدُق تَنْجُ، أما الكذب فليس بجميل بأي حال من الأحوال، كن صادقاً ولو في أحلك الظروف، وفي أحرج المواقف فإن الله سيجعل لك فرجاً إذا صدقتَ؛ لأن الله يقول: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣].
أسأل الله الذي لا إله إلا هو أن يدلني وإياكم على طريق الهداية، وأن ييسر لي ولكم أسبابها، وأن يعيذنا وإياكم من موانعها ومعوقاتها.
ثم إنني أدلكم على شيء قبل هذا كله، وقبل الهداية، ألا وهو: القناعة، فالذي ليس لديه قناعة أن يكون من المهتدين فإنه لا يريد أن يمشي في هذا الطريق كله، لكن إذا اهتديت، وحوَّلت الموجة إلى الله، وسلكت السبيل إلى الله، فالله سيفتح لك الأمور كلها؛ لأن الله يقول: {وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ} [الرعد:٢٧].
فتُب وارجع إلى الله عز وجل، وصحِّح الوضع، وثق بأن الله كريم، ولن يردك، فالله عز وجل يقول في الحديث القدسي الصحيح: (أنا مع عبدي ما تحركت بي شفتاه، فإن ذكرني في نفسه ذكرتُه في نفسي، وإن ذكرني في ملأ ذكرتُه في ملأ خير منهم، وإن تقرب إليَّ شبراً تقربتُ إليه ذراعاً، وإن تقرب إليَّ ذراعاً تقربتُ إليه باعاً، وإن أتاني يمشي أتيتُه هرولة، وكنتُ إليه بكل خير أسرع).
أكرر سؤالي ورجائي إلى الله الذي لا إله إلا هو أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً.
اللهم كما جمعتنا عليه من أجل طاعتك، فاجمعنا من أجله في دار كرامتك، ووالدِينا ووالدِي والدِينا وإخواننا وأخواتنا وجميع المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.