للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[السيرة طريق إلى التطبيق العملي لأحكام الإسلام]

أولاً: من أهداف دراسة سيرة النبي صلى الله عليه وسلم أن الدارس لهذه السيرة يقف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات القرآنية والأحاديث النبوية عن النبي صلى الله عليه وسلم، فإن القرآن نزل من عند الله، والسنة قالها رسول الله بوحي من الله، وكلها شملت أحكاماً وأوامر ونواهي وأخباراً، فأين طبقت؟ ومن طبقها على أعلى مستوى وأعظم قدر وأحسن تطبيق؟ إنه رسول الله صلى الله عليه وسلم.

فإذا درست السيرة؛ وقفت بنفسك على التطبيق العملي، فالقرآن متمثل بأخلاق النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا جاء في الحديث لما سئلت عائشة رضي الله عنها فقيل لها: (كيف كان خلق رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت: كان خلقه القرآن) فإن أردت أن ترى خلق النبي صلى الله عليه وسلم فاقرأ القرآن، كل ما في القرآن من هدىً وفضائل ونور متمثل في شخص النبي صلى الله عليه وسلم.

إذن يلزمك أن تقرأ سيرته، لماذا؟ لترى التطبيق العملي لأحكام القرآن، فمثلاً: حين تسمع أن الله أمر بالصدق: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} [التوبة:١١٩] فأنت تريد نموذجاً من البشر قد تمثل فيه خلق الصدق، فتقرأ سيرة النبي صلى الله عليه وسلم، وتخرج بنتيجة مفادها أنه منذ خلق حتى مات ما كذب كذبة واحدة، حتى إنه لما بعث النبي صلى الله عليه وسلم بالكتب إلى ملوك العرب والعجم، كان من ضمن الكتب كتاب إلى هرقل، فلما قرأه قال: هل هنا أحد من العرب؟ فبحثوا فوجدوا أبا سفيان ومعه نفر من العرب كانوا في تجارة، فأتي بهم، فوقف أبو سفيان وكان كافراً آنذاك، ووقف أصحابه من خلفه، فقال هرقل: إني سائله، فإن صدق فاسكتوا، وإن كذب فأشيروا إليَّ بأنه كذاب، ثم بدأ يسأل أبا سفيان ومن ضمن الأسئلة قوله: هل جربتم على هذا الرسول كذباً؟ قال: لا.

ولو علم أبو سفيان على رسول الله كذبة واحدة لكان قال: نعم.

لكنه يعرف أنه لو قال: نعم؛ للزمه أن يحكيها، فما كذب النبي صلى الله عليه وسلم في حياته قط.

وبعد أن أخبره -والحديث طويل في صحيح البخاري - قال له هرقل: وسألتك: هل جربتم عليه كذباً، فقلت: لا.

قلت: فما كان ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله.

فمن يستحي أن يكذب على الناس فمن باب أولى أنه لن يكذب على الله.

قال هرقل: فما كان -انظر إلى حكمة الرجل- ليدع الكذب على الناس ثم يكذب على الله، فعرفت أنه نبي.